إلى الجوف
الخامس والعشرون
من مايو (أيار) كان يوما شاقا إذ لم يتبق لنا من الماء إلا ما يكفي لصنع الخبز.
وبما أنه لا يوجد آبار بعد الجراوي فكان لا بد لنا من السير دون توقف حتى الجوف.
هكذا بقينا اثنتين وعشرين ساعة على السرج. كنا قد انطلقنا في الرابعة صباحا ووصلنا
إلى نهاية مطافنا في ٢٦ أيار في الثانية فجرا وقد عانيت من العطش كثيرا.
منذ الصباح أصبحت
الأرض حجرة كليا فهي مغطاة بشظايا صغيرة شبيهة بصوان البندقية ، قاتمة اللون ،
تلمع وكأنها مطلية بالبرنيق ومنظرها متعب جدا للعيون. هنا الأرض خالية من
النباتات. في الثامنة مساء هبت علينا ريح شرقية دامت ساعتين ورفعت ميزان الحرارة
الى+ ٤٢ درجة. كان الحر خانقا وتلبدت السماء بالغيوم كليا قرابة التاسعة ولكن
بالرغم من بضعة قطرات من المطر ظل الجو حارقا طوال الليل.
لا يعتمد خط السير
في الصحراء مطلقا على طبيعة الأرض المتفاوتة الملاءمة ، ولا حتى على الكلأ الضروري
للجمال ، بل يتوقف على الماء التي نجده في الطريق. لذا ، فإن وجهات السير ليست سوى
خطوط آبار.
غالبية هذه الآبار
حفرها البدو على أراضي مراعيهم. وعند ما كانت المصلحة التجارية أو السياسية أو
الدينية تفرض مرورا متكررا عبر مختلف اراضي القبائل العربية التي ليس لديها آبار
عند حدودها منعا للغزوات العدوة المغيرة ، كان يتم حفر بئر أو بئرين إضافيتين
للوصل بينها.
فيما عدا ذلك من
الواضح أنه كلما قّلّ العمل لحفر بئر كلما ازداد عددها. هذا ما ينطبق على الآبار
في وادي سرحان ، وهذا ما يفسر العثور على أسماء جديدة في كل مرة تجري مقارنة بين
ضاربي الطرق المعروفين حتى يومنا هذا من حوران الى الجوف.
في سبيل إبراز
أوجه التشابه والاختلاف فيما بينهم ، سأورد هنا المعروف منها حتى اليوم :