ثم قال أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري إلى أبى عبد الله قال أنشدنى أبو عبد الله محمد بن زيد الوسطى لمحمد بن المعدل :
إن كنت كاذبة التي حدثتني |
|
فعليك إثم أبى حنيفة أو زفر |
المائلين إلى القياس تعمدا |
|
والراغبين عن التمسك بالأثر |
أما من هجا فقد هجا مثله خيرا من أبى حنيفة ولم يصر ذلك حجة. وهذا قال عن أبى حنيفة رحمهالله ما ليس من مذهبه ، وقد تقدم القول في مذهب أبى حنيفة وأخذه بالأحاديث ما وجد حتى أنه إذا جاءه الحديث الواحد خلاف القياس يعمل به في الواقعة وحدها ولا يترك أحد الحديثين. مثاله : إن الله تعالى فرض الصلاة في أوقات مخصوصة ففرض لكل وقت صلاة ، ثم إن النبي صلىاللهعليهوسلم صلى الظهر مع العصر بعرفة في وقت الظهر ، والمغرب مع العشاء بالمزدلفة في وقت العشاء. فعمل بذلك أبو حنيفة في يوم عرفة خاصة ، ولم يقسه على باقى الصلوات ، ولا قاس باقى الصلوات عليه. وهذا إذا كان المصلى مع الإمام ، وأما إذا صلى وحده صلاها كسائر الصلوات في أوقاتها لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما فعل ذلك بالجماعة ولم يثبت أنه صلاها وحده على ما ذكرت فمن يكون نظره في الجمع بين الأحاديث كذا كيف يقدح فيه بقول من لا يعرف الفقه ولا العربية ولا يفرق بين الأحاديث.
ثم قال أخبرنا عبد الله بن يحيى السكرى والحسن بن أبى بكر ومحمد بن عمر النرسي إلى أبى عوانة. قال سمعت أبا حنيفة وسئل عن الأشربة ، قال : فما سئل عن شيء منها إلا قال هو حلال ، حتى سئل عن السّكر ـ أو السّكر شك أبو جعفر ـ فقال : حلال. قال قلت يا هؤلاء إنها زلة عالم لا تأخذوا عنه. أما مذهب أبى حنيفة رحمهالله في الأشربة فمعروف ، ولو لم يشك أبو جعفر لرددت الجواب. وإنما الشاك لا يصدق لأن كذبه من نفسه إذا قال شككت فقد عرف أن قوله ليس بحجة فهو شك فيما نقله عن أبى حنيفة ، ولم يشك في علم أبى حنيفة فكيف استحل الخطيب أن يجعل ما شك فيه ثبتا ينفى به ما جعله يقينا.
فأما السّكر فحرام على مذهب أبى حنيفة ، والسكر حلال إذا طبخ أدنى طبخ لقول الله تعالى : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) وليس قول من قال خلاف أبى حنيفة بحجة لأنه قد نقل عن بعض الناس أنه قال الكلام محمول على أنك تقول تتخذون منه سكرا وتتخذون رزقا حسنا. وليس هذا حجة لأن الصحابة رضى الله