مكة كمثل أصحاب الجنة ذات الثمار ، كلّفوا أن يشكروا النعم ويعطوا الفقراء حقوقهم ، فلما جحدوا النعمة وحرموا المساكين ، حرمهم الله الثمار كلها.
روي أن واحدا من ثقيف ، وكان مسلما ، كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء ، وكان يجعل من ناتجها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء ، فلما مات ، ورثها منه بنوه ، ثم قالوا : عيالنا كثير ، والمال قليل ، ولا يمكننا أن نعطي المساكين ، مثلما كان يفعل أبونا ، فأحرق الله جنتهم.
التفسير والبيان :
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ، وَلا يَسْتَثْنُونَ) أي إنا اختبرنا كفار مكة وامتحناهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما اختبرنا أصحاب البستان المعروف خبرهم عند قريش ، حين حلفوا أنهم سيقطعون ثمر الجنة (البستان) عند الصباح ، حتى لا يعلم بهم الفقراء ، فيأخذون ما كانوا يأخذونه ، طمعا في اقتناء كامل الغلة والزرع ، ولم يقولوا : إن شاء الله ، فالأكثرون أنهم إنما لم يستثنوا فيما حلفوا به بمشيئة الله تعالى ؛ لأنهم كانوا كالواثقين بأنهم يتمكنون من ذلك لا محالة. وقال آخرون : بل المراد أنهم يصرمون كل الزرع ، ولا يستثنون للمساكين نصيبهم أو القدر الذي كان أبوهم يدفعه إليهم.
والمقصود اختبار أهل مكة ، لمعرفة حالهم ، أيشكرون نعم الله عليهم ، فيؤمنون بالرسول صلىاللهعليهوسلم الذي أرسله الله إليهم مبشرا ونذيرا ، أم يكذبونه ويكفرون برسالته ، ويجحدون حق الله عليهم؟ فيجازوا بما يستحقونه ، كما جوزي أصحاب الجنة ، وهو ما أخبر عنه في قوله تعالى :
(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) أي طاف على تلك الجنة من عند الله نار أحرقتها ، أي أصابتها آفة سماوية ، حتى