أن هذا الإهلاك إنما نفعله بهم لكونهم مجرمين ، فعمم الحكم جميع المجرمين.
ثم أكد تعالى التخويف بقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) والمراد أن مآلهم في الدنيا الهلاك ، وفي الآخرة العذاب الشديد ، كما قال تعالى : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الحج ٢٢ / ١١]. وهؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا ، فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدّة لهم يوم القيامة.
والنوع الثالث من تخويف الكفار ـ التذكير بعظيم إنعامه عليهم ، والتحذير من مغبة كفران النعمة وإنكار إحسانه إليهم ، وهو خلقه الإنسان من النطفة الضعيفة الحقيرة ، ثم إيداعها في مكان حريز وهو الرّحم إلى أن يتم تصويره ويحين وقت ولادته ، وذلك لا يمكن من غير قادر عليّ ، فنعم القادر والمقدّر وهو الله تعالى.
ووجه التخويف من جانبين كما تقدم :
الأول ـ أنه كلما كانت نعمة الله عليهم أكثر ، كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش ، وكان العقاب أعظم ، لذا قال عقيب هذا الإنعام : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
الثاني ـ أنه تعالى ذكّرهم كونه قادرا على الابتداء ، ومن المقرر الظاهر عقلا عند البشر أن القادر على الابتداء ، قادر على الإعادة ، فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة ، قال في حقهم : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١).
والنوع الرابع من تخويف الكفار ـ أنه تعالى بعد أن ذكّرهم بالنعم التي له عليهم في الأنفس ، ذكّرهم بالنعم التي له عليهم في الآفاق ، وذكر ثلاثة أشياء : هي الأرض التي هي كفات الأحياء والأموات ، والجبال الرواسي الشامخات ، أي
__________________
(١) التفسير الكبير للرازي : ٣٠ / ٢٧٢