في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور ، رأيت نعيما لا يوصف ، وسلطانا وملكا عظيما لا يقدر قدره. جاء في الحديث عن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ، ينظر إلى أقصاه ، كما ينظر إلى أدناه» (١).
ثم وصف ملابسهم وحليهم بقوله :
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ، وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي لباسهم الذي يعلوهم هو الحرير الرفيع الرقيق الأخضر ، والديباج الغليظ ، وحلوا بأساور من فضة ، وفي آية أخرى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف ١٨ / ٣١ ، فاطر ٣٥ / ٣٣] أي تارة تكون حليهم الفضة ، وتارة الذهب.
ثم ذكر الله تعالى شرابا آخر لهم غير الممزوج بالكافور أو بالزنجبيل ، فقال :
(وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) أي وسقاهم ربّهم بشراب غير ما سبق يطهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة ، كما روي عن علي رضياللهعنه. والطهور مبالغة طاهر ، والمراد أنها ليست بنجسة ، ولا مستقذرة طبعا ، ولا تؤول إلى النجاسة ، ولكنها ترشح عرقا من أبدانهم ، له ريح كريح المسك.
قال أبو قلابة وإبراهيم النخعي : يؤتون بالطعام ، فإذا كان آخره أتوا بالشراب الطهور ، فيشربون ، فتضمر بطونهم من ذلك ، ويفيض عرق من أبدانهم مثل ريح المسك.
ثم ذكر الله تعالى علة هذا الفضل والنعيم ، فقال :
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً ، وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي ويقال لهؤلاء الأبرار الممتعين بالجنان ، تكريما لهم وإحسانا إليهم : إن هذا المذكور من أنواع النعم ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٥٧