سورة لقمان جردوا من علم الغيب واعترفوا بعدم علمهم بالغيب ، وأما هذه الوقائع التي أوردها الرازي فقد تقع بالإلهام سواء للصالح أو غير الصالح.
ثم ذكر الله تعالى علة حفظه الرسل ، فقال :
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) أي إنه تعالى يحفظ رسله بالملائكة ، ليعلم الله علم ظهور وانكشاف في الواقع القائم أن هؤلاء الرسل قد بلغوا الرسالات الإلهية كما هي دون زيادة ولا نقصان. ويصح أن يكون المعنى : ليعلم نبي الله أن جبريل ومن معه من الملائكة قد بلّغت عن الله الوحي تماما من غير تغيير ولا تبديل ، وأن الملائكة حفظوا الوحي حتى أوصلوه تاما إلى الرسل من البشر.
ويكون المراد بالمعنى الأول أن الله يحفظ رسله بملائكته ، ليتمكنوا من أداء رسالاته ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، ويكون ذلك كقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) [البقرة ٢ / ١٤٣] وكقوله تعالى : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) [العنكبوت ٢٩ / ١١] إلى أمثال ذلك من العلم ، بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعا لا محالة ، فيكون القصد بما جاء في القرآن من تعليل لعلم الله ، إنما هو علم ظهور لا علم بداء ، فإنه تعالى عالم بالأشياء أزلا ، وإنما يظهر علمه لعباده (١). لذا أكد تعالى هذا المعنى بقوله :
(وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) أي إنه تعالى أحاط علما بما عند الرصد من الملائكة ، أو بما عند الرسل المبلغين لرسالاته ، وبما لديهم من الأحوال ، فهو عالم بكل شيء كان أو سيكون ، وعالم بكل الأحكام والشرائع ، ثم عمم العلم بقوله : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) أي ضبط كل شيء معدودا محصورا ، دون مشاركة أحد من الملائكة وسائط العلم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٣٣