من قبل حراء ، فقلنا : يا رسول الله! فقدناك وطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم ، فقال :
«أتاني داعي الجن ، فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن» فانطلق بنا ، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد وكانوا من جنّ الجزيرة ؛ فقال : «لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكلّ بعرة علف لدوابكم» فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فلا تستنجوا بهما ، فإنها طعام إخوانكم الجن».
قال ابن العربي : وابن مسعود أعرف من ابن عباس ؛ لأنه شاهده ، وابن عباس سمعه ، وليس الخبر كالمعاينة (١).
وأصل الجن كما قال الحسن البصري : أن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء في الثواب والعقاب. فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا ، فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان.
٢ ـ حكى الله عن الجن أشياء :
أولا ـ أنهم لما سمعوا القرآن العجيب في فصاحة كلامه وبليغ مواعظه الهادي إلى مراشد الأمور ، قالوا : اهتدينا به وصدّقنا أنه من عند الله ، ولن نشرك بربّنا أحدا ، أي ولن نعود إلى ما كنّا عليه من الإشراك به.
ثانيا ـ أنهم كما نفوا عن أنفسهم الشرك ، نزّهوا ربهم عن الصاحبة والولد ، لذا قالوا : عظم الله سبحانه عن أن يكون له صاحبة أو ولد.
ثالثا ـ استنكروا ما كان يقول إبليس والجن قبل إسلامهم من الكذب والغلو في الكفر ومجاوزة الحدّ في الظلم.
__________________
(١) أحكام القرآن : ٤ / ١٨٥٢