يرسل الله إليهم رسلا منهم ، بل الرسل جميعا من البشر ، وهم كالبشر منهم المؤمن المثاب ، ومنهم الكافر المعاقب.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ..) الآية [الأحقاف ٤٦ / ٢٩].
(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) أي إن هذا القرآن يرشد إلى الحق والصواب ومعرفة الله تعالى ، فصدقنا به أنه من عند الله ، ولن نشرك مع الله إلها آخر من خلقه ، ولا نتخذ إلها آخر ، وهذا إعلان منهم للإيمان أمام قومهم حين رجعوا إليهم ، كما جاء في تتمة آية الأحقاف السابقة : (قالُوا : أَنْصِتُوا ، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
وفي الآية دلالة أن أعظم ما في دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم : توحيد الله تعالى ، وخلع الشرك وأهله. وقد آمنت الجن أن القرآن كلام الله ، بسماعه مرة واحدة ، ولم ينتفع كفار قريش ، لا سيما رؤساؤهم ، بسماعه مرات ، مع كون الرسول صلىاللهعليهوسلم منهم يتلوه عليهم بلسانهم.
٢ ـ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) وأنه ارتفع عظمة ربّنا وجلاله ، أو فعله وأمره وقدرته ، وأنه تعاظم عن اتّخاذ الصاحبة والولد ، كما يقول الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد. والمعنى أنهم كما نفوا عن أنفسهم الإشراك بالله ، نزهوا الرّب جلّ جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتّخاذ الصاحبة والولد. وبذلك أثبتوا وحدانية الله وامتناع وجود شريك له ثم أثبتوا له القوة والعظمة ، ونزهوه عن الحاجة والضعف باتخاذ الصاحبة والولد ، شأن العباد الذين يتعاونون على أمور الحياة بالزوجة للسّكن والألفة ، وبالولد للمؤازرة والتكاثر والأنس.
٣ ـ (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) أي وإن مشركي الجن