في الملاحن وفتيا فقيه العرب
وينتظم في سلك الطرائف تلك التويليفات التي أودعها أصحابها تلك الكلم المحتملة للمعاني المختلفة ، فيورى فيها بمعنى عن معنى في يمين محتالة تخلصا من موقف حرج بين يدي جبار متسلط تخشى بوادره ، أو يعايا بها في مسائل فقهية تأنيسا باللغة وترغيبا في حفظ غريبها.
يحلف الحالف فيقول في حلفته : كل امرأة تزوجتها فقد طلقتها فلا يكون قوله هذا طلاقا إن عنى أنه جعلها في الطلق وهو قيد من جلود.
وتحلف بالظهار من امرأتك فتنوي بالظهر المركوب من الدواب فلا تكون مظاهرا.
وتقول في حلفك : والله ما أضعت ولا أهملت فلا يكون عليك حنث إن عنيت أنك ما كثرت ضياعك جمع ضيعة بمعنى الأرض المغلّة ، ولا هواملك أي إبلك السارحة في المرعى بغير راع يرعاها.
وتكره على أن تحلف بقولك : كل مملوك لي حر ، فتقولها غير حانث إن نويت بالمملوك الدقيق الملتوت بزيت أو سمن أو ماء.
وينكر الحالف فيقول : ما له قبلي شقة ولا قميص فلا يحنث إن أراد بالشقة البعد ، وبالقميص غشاء القلب.
ومثله أن ينكر فيقول : والله ما أوصيت إليه ولا أوصى إلي إن عنى بأوصى أنه دخل في الواصي وهو النبت الملتف.
وإن قال الحالف في عبارته ... وإلّا فهو كافر لم يكن كذلك إن نوى بالكافر الليل أو زارع البذور ، فإن الكافر يأتي بمعنى الزارع ، وفي القرآن من سورة الحديد :
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً).
وقد ذكر عن الإمام محمّد بن إدريس الشافعي أنه كان يعايى بمسائل لغوية في معاريض فقهية ، وفي مزهر السيوطي (ج ١ ، ص ٦٣٦) ما نصّه :
«قال الإمام فخر الدين الرازي في مناقب الشافعي رضي الله عنه :
سئل الشافعي في بعض المسائل بألفاظ غريبة فأجاب عنها في الحال ، من ذلك أنه قيل له :
كم قرا أمّ فلاح؟ فأجاب على البديهة : من ابن ذكاء إلى أم شملة (القرا : الوقت ، وأم فلاح : الفجر ، وهو كنية للصلاة ، وابن ذكاء : الصبح ، وأم شملة : كنية الشمس).
وسئل :
نسي أبو دراس درسه قبل غيبة الغزالة بلحظة ، ماذا يجب؟ قال : قضاء وظيفة العصرين ، قال السائل : بجناية جناها أبو دراس؟ قال : لا بل لكرامة استحقتها أمه.
(أبو دراس كنية فرج المرأة والدرس الحيض ، وقوله : نسي درسه أي ترك حيضه ، والغزالة الشمس ، وأم دراس المرأة ، والعصران الظهر والعصر).
وسئل :
هل تسمع شهادة الخالق؟ قال : لا ولا روايته ، الخالق الكاذب.
وسئل :