وتكذيبك ، واتباع هداك ومخالفتك ، أي متحملا للشهادة في الدنيا ، ومؤديا لما تحمّلته في الآخرة أمام ربك ، وأرسلناك لتبشير من أطاعك بالجنة ، ولإنذار من عصاك بالنار ، فهذه ثلاث مهام من مهمات الدعوة المكلّف بتبليغها إلى البشر كافة. ونظير الآية في الشهادة قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة ٢ / ١٤٣].
روى الإمام أحمد والبخاري وابن أبي حاتم عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضياللهعنهما ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التوراة ، قال : «أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صمّا ، وقلوبا غلفا».
٤ ـ ٥ : (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ ، وَسِراجاً مُنِيراً) أي وداعيا الخلق إلى عبادة ربهم ، وطاعته ومراقبته سرا وعلانية ، بأمره إياه ، والإقرار به ، والإيمان بما يجب له من صفات الكمال ، وجعلناك ذا سراج أو كالسراج الوضاء الذي يستضاء به في الظلمات ، ليهتدي بك الناس ، ويستنيروا بشرعك في تحقيق سعادتي الدنيا والآخرة. فقوله (بِإِذْنِهِ) معناه : بأمره إياك ، وتقديره ذلك في وقته وأوانه ، (وَسِراجاً) معناه : ذا سراج ، أو يكون كقول القائل : «رأيته أسدا» أي شجاعا ، فيكون قوله : (سِراجاً) أي هاديا مبينا كالسراج ، يري الطريق ويبين الأمر ، ويهدي الناس إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
ومقتضى تشبيه النبي صلىاللهعليهوسلم بالسراج أن دينه أو أمره يكون ظاهرا واضح الحجة والبرهان ، لا تعقيد فيه ولا التواء ، ولا خفايا فيه ولا أستار.