ويلاحظ أنه ذكر مسوغات ثلاثة لدعائه ، تستدعي العطف والرحمة والشفقة ، وهي :
١ ـ ضعف البدن باطنا وظاهرا ، أي ضعف العظام وظهور الشيب.
٢ ـ كونه مستجاب الدعاء ، فلم يكن في وقت من الأوقات خائبا ، بل كان كلما دعا ربه أجابه.
٣ ـ خوفه من ورثته من ضياع الدين وما يوحى إليه بعد موته ، ولم يكن خوفه من إرث المال ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من الإشفاق على ماله ، ولأنه لم يكن ذا مال ، وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده ، ولأنه كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا نورث ، ما تركنا صدقة» وفي رواية الترمذي : «نحن معشر الأنبياء لا نورث» ويكون ميراث الأنبياء هو وراثة النبوة أو العلم والمحافظة على الدين والدعوة إليه.
(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي فامنحني وأعطني من جنابك وواسع فضلك وليا يلي أمر الدين ، يكون ولدا من صلبي يرثني النبوة ، وهذا ما أراده وإن لم يصرح به ، ويرث ميراث آل يعقوب وهي وراثة العلم والنبوة على الراجح لا وراثة المال ، كما تقدم ، فيرث ما عندهم من العلم ، ويقوم برعاية أمورهم في الدين ، واجعله يا رب برّا تقيا مرضيا عندك في أخلاقه وأفعاله ، ترضاه وتحبه أنت ويرضاه عبادك ويحبونه ، ليكون أهلا لحمل رسالة الدين وتعليمه وتبليغه وإقامة شعائره.
ونظير الآية : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ، قالَ : رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) [آل عمران ٣ / ٣٨] ، (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ : رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) [الأنبياء ٢١ / ٨٩]. ويعقوب : هو إسرائيل ، وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران ، ويرجع نسبها إلى يعقوب ؛ لأنها