فلما انصرف النّبي صلىاللهعليهوسلم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه ، وصلّوا فيه الجمعة والسبت والأحد ، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم ، فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضّرار.
فدعا النّبي صلىاللهعليهوسلم مالك بن الدّخشم ، ومعن بن عدي ، وعامر بن السّكن ، ووحشيا قاتل حمزة ، فقال : «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه وأحرقوه».
فخرجوا مسرعين ، وأخرج مالك بن الدّخشم من منزله شعلة نار ، ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا.
وأما أبو عامر الراهب : فهو رجل من الخزرج ، كان قد تنصّر ، وكان له منزلة كبيرة في أهل الكتاب ، فلما قدم النّبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة مهاجرا ، واجتمع عليه المسلمون ، وعلت كلمة الإسلام ، خرج فارّا إلى مكة ، وألّب المشركين على المسلمين في وقعة أحد. ولما فرغ الناس من الموقعة فرّ إلى هرقل ملك الرّوم يستنصره ، فوعده وحباه.
وكتب أبو عامر إلى جماعة من قومه من أهل النّفاق : أنه سيقدم بجيش يقاتل به محمدا ويغلبه ، وأمرهم أن يتّخذوا له معقلا يأوي إليه من يقوم من عنده لأداء كتبه ، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك.
والخلاصة : أن هذا المسجد بناه اثنا عشر رجلا من المنافقين ، بمشورة أبي عامر الرّاهب ، ولقي هوى في نفوس أبناء عمّ بني عمرو بن عوف ، لينافسوهم على تأسيس مسجد قباء ، ومضاهاتهم به ، وليكون مقرّا لأبي عامر إذا قدم ، ليكون إمامهم فيه.