(وَما ظَنُّ الَّذِينَ ..) أي ، أيّ شيء ظنهم به. (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أيحسبون أنه لا يعاقبهم عليه؟ وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم. (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) حيث أنعم عليهم بالعقل ، وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وأنعم عليهم بنعم كثيرة ، وأمهلهم في العقاب. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) هذه النعمة.
المناسبة :
بعد أن أثبت الله تعالى في أوائل السورة الوحي والنبوة ، ذكر طريقا آخر في إثبات النبوة : وهو أن التشريع بالتحليل والتحريم هو حق الله تعالى ، وأن الأصل في الأرزاق والأشياء الإباحة ، فتحريم بعض الأشياء وتحليل بعض ، مع تساويها في الصفات والمنافع ، دليل على اعترافكم بصحة النبوة والرسالة ؛ لأنه لم يقم لكم دليل عقلي ولا نقلي على هذا التمييز ، فهو منهج فاسد باطل ، وأن ما عليه الأنبياء هو الحق والصواب.
التفسير والبيان :
ينكر الله تعالى على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايا ، كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ، فَقالُوا : هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ، وَهذا لِشُرَكائِنا) [الأنعام ٦ / ١٣٦] وقوله : (وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ ، بِزَعْمِهِمْ) [الأنعام ٦ / ١٣٨] وقوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) [الأنعام ٦ / ١٣٩] وقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ، قُلْ : آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) [الأنعام ٦ / ١٤٤].
ورد الله تعالى عليهم كل ما شرعوه من تحليل وتحريم بقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) [المائدة ٥ / ١٠٣].