ويعلم أنه حق ، ولكنه يعاند بالتكذيب ، وفريق يشك فيه لا يصدق به. هذا في الحال. ويجوز أن يراد بفعل (يُؤْمِنُ) الاستقبال ، أي ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من سيؤمن بهذا القرآن ، ويتبعك ، وينتفع بما أرسلت به ؛ ومنهم من سيصرّ على كفره ، ويموت على ذلك ويبعث عليه.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ، ومن يستحق الضلالة فيضله ، وهؤلاء هم المعاندون أو المصرّون ، والله العادل الذي لا يجوز ، بل يعطي كلا ما يستحقه ، فمعنى الآية : وربك أعلم بمن يفسد في الأرض بالشرك والظلم والطغيان ، فلا أمل في صلاحهم ، لفقدهم الاستعداد للإيمان ، وسيعذبهم في الدنيا والآخرة.
وإن كذّبك هؤلاء المشركون وأصروا على ذلك ، فتبرأ منهم ومن عملهم ، وقل لهم : (لِي عَمَلِي) : وهو تبليغ الرسالة والإنذار والتبشير والطاعة والإيمان ، وسيجازيني الله عليه، (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) : وهو الظلم والشرك والفساد ، وسيجازيكم الله عليه ، كما قال تعالى : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [يونس ١٠ / ٥٢].
(أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) يراد بذلك الزجر والردع ، وإعلان مبدأ المسؤولية الفردية : وهي انحصار مسئولية كل إنسان بنفسه ، وعدم سؤاله عن ذنب غيره. والمعنى : فلا تؤاخذوني بعملي ، ولا أؤاخذ بعملكم فقد أعذرت وأنا بريء من عملكم ، كقوله تعالى : (قُلْ : إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [هود ١١ / ٣٥] وقوله : (قُلْ : لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ، وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سبأ ٣٤ / ٢٥] وقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ٦ / ١٦٤] وقوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ: إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [الشعراء ٢٦ / ٢١٦].