وعدم الإنصاف ، فكثيرا ما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله ثم يمكرون فيها ، فهم إن أصابتهم الشدة تضرعوا ، وإن جاءتهم الرحمة بطروا وكفروا.
التفسير والبيان :
موضوع هذه الآيات الرد على الكفار الذين يطلبون الآيات الكونية ، فإذا تحققت لم يعتبروا ولم يتعظوا ، مما يدل على سوء طبع الإنسان وتأصل خلق السوء فيه ، وتنكره للأدلة العقلية والحسية ، والقواعد الخلقية أيضا التي تقتضي الوفاء بالمعروف وشكر النعمة الإلهية. وهذا المذكور في الآيات مثال لسوء الطبع والانقلاب على الفطرة.
إذا أذاق الله الناس رحمة ، ورزقهم فضلا ، من بعد ضرّاء مستهم (١) ، كالرخاء بعد الشدة ، والخصب بعد الجدب ، والمطر بعد القحط ونحو ذلك ، إذا هم يسرعون بالمفاجأة الغريبة وهي المكر في مقام الحمد والشكر ، والمراد بالمكر : الاستهزاء والتكذيب لها ، أو الطعن فيها والاحتيال في دفعها ، والتنكر لها.
وهكذا إذا رزق الله المطر ، قال الإنسان : مطرنا لأنا في فصل الأمطار ، أو لأن الكوكب الفلاني طلع ، وإذا نجا من مكروه أو شدة ، قال : نجوت صدفة ، وإذا نجح في مشروع ما ، نسب النجاح إلى تفوقه ومهارته وذكائه ، ولم يذكر توفيق الله له ، كما قال قارون : إنما أوتيته أي المال على علم عندي ، وإذا رفع الكرب بدعاء نبي ، لم يقروا له بالفضل ، كما حدث لمشركي مكة ، روي أن الله تعالى سلط القحط على أهل مكة سبع سنين ثم رحمهم ، وأنزل الأمطار النافعة على أراضيهم ، ثم نسبوا تلك المنافع الجليلة إلى الأصنام وإلى الأنواء (٢) ، وكل ذلك لمقابلة النعمة بالكفران.
__________________
(١) ذكر هذا القيد لأن الشعور بالنعمة بعد زوال البؤس والشدة أكمل وأتم وأفرح.
(٢) النوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر ، وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ثلاثة عشر يوما ، ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما. وكانت العرب ـ