فقالت الظريفة : ها هي ذه قد راجعتك القول ، وبدا لك وجهها فمن لك بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها ميّة فقالت : قاتلك الله ، ما أعظم ما تجيبين به. فتحدثنا ساعة ، ثم انصرفنا. فكان يختلف إليها حتى اذا انقضى الربيع ودعا الناس الصيف أتاني فقال : يا عصمة ، قد ترحلت ميّة ولم يبق إلا الآثار والنظر في الديار ، فاذهب بنا ننظر الى آثارهم. فخرجنا حتى انتهينا فوقف وقال :
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر |
وإن لم تكوني غير ثاو بقفرة |
|
تجرّ بها الأذيال صيفيّة كدر |
قال عصمة : فما ملك عينيه. فقلت : مه ، فانتبه وقال : إنّي لجلد وإن كان مني ما ترى ، ثم انصرفنا وتفرّقنا. وكان آخر العهد به.
قوله : تعلل جاذبه : أي لم يجد فيه مقالا فهو يتعلل بالشيء يقوله ، وليس بعيب. والبيتان المذكوران مطلع قصيدة طويلة ، ومنها :
لها بشر مثل الحرير ومنطق |
|
رخيم الحواشي لاهراء ولا نزر (١) |
وعينان قال الله كونا فكانتا |
|
فعولان بالألباب ما يفعل الخمر |
ألا : حرف استفتاح. وقوله : يا اسلمى ، حرف نداء. والمنادى محذوف ، أو حرف تنبيه ، واسلمى ، فعل دعاء ، أي يا هذه سلمك الله على أنك قد بليت. ومىّ مرخم مية. والبلى ، بالكسر والقصر ، مصدر بلى يبلي ، من باب علم يعلم. ومنهلا ، بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام ، من الانهلال ، وهو انسكاب الماء وانصبابه. والجرعاء : رملة مستوية لا تنبت شيأ. والقطر : المطر. وقد عيب على ذي الرمة عجز هذا البيت فإنه أراد أن يدعو لها فدعا عليها بالخراب ، وقدم عليه بيت طرفة :
__________________
(١) ديوانه ٢١٢ ـ ٢١٣ ، وفيه. (دقيق الحواشي).