وأخرج ... (١) أن النبي صلىاللهعليهوسلم كتب لعيينة بن حصن كتابا ، فقال : يا محمد ، أتراني حاملا الى قومي كتابا كصحيفة المتلمّس. قال الخطابي : يقول : لا أحمل الى قومي كتابا لا علم لي بما فيه.
وقال الفرزدق (٢) :
يا مرو ، إنّ مطيّتي محبوسة |
|
ترجو الحباء وربّها لم ييأس |
وحبوتني بصحيفة مختومة |
|
يخشى عليّ بها حباء النّقرس |
ألق الصّحيفة يا فرزدق لا تكن |
|
نكداء مثل صحيفة المتلمّس |
قوله : آليت ، أي حلفت على حبّ العراق لا آكله ، مع أن الحب متيسر ، فحذف الجار ونصب ، وهو محل الاستشهاد. والسوس : قمل القمح ونحوه. قال الكسائي : ساس الطعام يساس ، وأساس يسيس سوسا ، بالفتح ، والاسم بالضم. قال العيني : وقد اختلف في قوله : آليت ، هل بضم التاء أو بفتحها ، فكلام العسكري يقتضي أنه بالضم ، وكذا الرواية السابقة. وقال : وصرح غيره من العلماء بالشعر واللغة بأنه بالفتح ، وكذا ضبطوه في كتاب سيبويه ، وقالوا : انه يخاطب بذلك عمرو بن هند ، لأنه لما هجاه ، حلف عمرو أنه لا يطعم المتلمس بعدها حبّ العراق ، أي انه لا يقدر بعدها على المقام بالعراق ، فلا سبيل له الى أكل حبها. فقال المتلمس ذلك. أي حلفت يا عمرو ، لا تتركني بالعراق والطعام لا يبقى وان استبقيته ، بل يسرع إليه الفساد ويأكله السوس ، فالبخل به قبيح. وقوله : (لم تدر بصري ... البيت) أي لم تعلم بصرى أنك حلفت ، فأنا آكل من طعامها ، وكذلك دمشق ، فانا أكون في موضع لا أمر لك فيه ، فلا أخافك على نفسي ، وأنا في خصب وخير. والدهر : نصب على الظرف ، وأطعمه على حذف (لا) النافية ، أي لا أطعمه. وبصرى ، بضم الموحدة ، مدينة بالشام. والكداديس : أكداس الطعام ، ولا واحد لها من لفظها ، قاله النحاس.
__________________
(١) بياض بالاصل.
(٢) انظر الاغاني ٢٣ / ٥٤٦ ـ ٥٤٩ (الثقافة).