إلا أن الغرّ أجل لفظا. ويقال : فرس أغرّ : قلّ البياض فيه أو كثر. وذكر ابن قتيبة : أن النابغة قال له : إنك شاعر ، إلا أنك قلت : (جفنات وأسياف ويقطرن) ولم تقل (جفان وسيوف ويجرين) وقلت (يلمعن بالضحى) ولو قلت (يبرقن في الدجى) كان أمدح ، لأن الضيف بالليل أكثر. وقلت (الغرّ) ولم تقل (البيض) والغرة يسيرة. وقلت (يلمعن) ولم تقل (يشرقن). ورأيت في شرح ديوان الأعشى أن الخنساء هي التي نقدت عليه ذلك. قال الآمدي : لما أجمعت العرب على فضل النابغة الذبياني وسألته أن يضرب قبة بعكاظ فيقضي بين الناس في أشعارهم لبصره بمعاني الشعر ، فضرب القبة وأتته وفود الشعراء من كل أوب ، فكان يستجيد الجيد من أشعارهم ، ويرذل ، فيكون قوله مسموعا فيهما جميعا ومأخوذا به. فكان فيمن دخل عليه الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية ، فأنشده الأعشى قصيدته :
ما بكاء الكبير بالأطلال
فقال : أحسنت وأجدت. ثم أنشده حسان قصيدته (١) :
ألم تسأل الرّبع الجديد التّكلّما
فقال : إنك لشاعر ، ثم أنشدته الخنساء قولها (٢) :
قذى بعينيك أم بالعين عوّار
فاقبل عليها كالمستجيد لقولها ، فلما فرغت من إنشادها قال : أنت أشعر ذات مثانة (٣) : فقالت : وذي خصية أبا امامة ، فقال : وذي خصية. فغضب حسان ، وقال : أنا أشعر منك ومنها. فقال : ليس الأمر كما ظننت ، ثم التفت الى الخنساء
__________________
(١) وعجزه : (بين الجوابي فالبضيع فحومل) ، وسيأتي.
(٢) وعجزه : أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار.
(٣) أراد هنا بالمثانة : موضع الولد من الانثى ، وهو احد معانيها ، بل هو الصحيح عند بعضهم.