أو لما حل به دافع! أيها الناس ، إنما البقاء بعد الفناء ، وقد خلقنا ولم نك شيئا ، وسنعود الى ذلك. أن العواري اليوم والهبات غدا. ورثنا من قبلنا ولنا وارثون ، ولا بد من رحيل عن محل نازل ، ألا وقد تقارب سلب فاحسن أو اهبط أجوى ، وقد أصبحتم في منزل لا يستتب فيه سرور بيسر إلا تبعه حصير عسر ، ولا تطول فيه حياة مرجوّة إلا اخترمها موت مخوف ، ولا يوثق فيه بخلف باق إلا ويستتبعه سابق ماض ، فأنتم أعوان للحتوف على أنفسكم ، لها بكل سبسب منكم صريع مجتزر ، معازب منتظر ، فهذه أنفسكم تسوقكم الى الفناء ، فلم تطلبون البقاء! اطلبوا الخير ووليه ، واحذروا الشرّ وموليه ، واعلموا أن خيرا من الخير معطيه ، وأن شرا من الشر فاعله ، ثم أنشأ يقول :
يا قلب إنّك من أسماء مغرور ... الأبيات
١١٩ ـ وأنشد (١) :
هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا |
|
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا |
قال الدماميني : الأفنان ، إما جمع فنّ ، وهو الغصن الملتف ، أو جمع فنّ ، وهو الحال والنوع. ونصبه على الحال من ليال ، وإن كان نكرة لتخصصها. وعامل (إذ) منقلب ، واسم الاشارة الأول أشير به الى العيش باعتبار حاله ، والثاني المحذوف أشير به الى حال الأفنان ، والجملة المقترنة بالواو حال من ضمير مضين. والمعنى : هل ترجع ليالينا حال كونها مثل الأغصان الملتفة في نضارتها وحسنها ، أو حال كونها ذات فنون من الحسن وضروب شتى من اللذة ، وهذه الليالي هي اللاتي مضين في حال إن عيشنا منقلب من طور الى طور ، إذ حال ذلك العيش مثل حال تلك الاغصان في الرونق والبهجة ، أو مثل تلك الفنون المختالة في الحسن ، انتهى كلام الدماميني.
ثم رأيت في الاغاني ما يدل على ان هذا البيت لعبد الله بن المعتز وأورد عجزه بلفظ (٢) :
__________________
(١) الاغاني ١٠ / ٢٨٩
(١) الاغاني ١٠ / ٢٨٩