فقال لي رجل : أتعرف من يقول هذا البيت؟ قلت : لا ، قال : إن قائله هو الذي دفنّاه الساعة ، وأنت الغريب تبكي عليه ليس تعرفه ، وهذا الذي خرج من قبره أمسّ الناس رحما به ، وأسرّهم بموته. فقال له معاوية : لقد رأيت عجبا. فمن الميت؟ قال : عتير بن لبيد العذري ، انتهى.
أخرجه ابن عساكر من طريق أخرى ، وفيه أن صاحب الجنازة والأبيات رجل من بني عذرة يقال له حريث بن جبلة (١) ، وبذلك جزم الزمخشري في شرح شواهد سيبويه. اطلاق : جمع طلق ، بفتحتين ، يقال : جرى الفرس طلقا أو طلقين ، أي شوطا أو شوطين. والمحاضير : جمع محضير بكسر الميم ، وهو الفرس الكثير العدو. واستقدر : طلب تقدير الخير. والمياسير : جمع ميسور ، بمعنى اليسر. ويغتبط : مسرور. والرمس : القبر. وتعفوه : تزيل أثره. والأعاصير : جمع اعصار ، وهي ريح.
ثم رأيت الزبير بن بكار أخرج في الموفقيات عن الكلبي قال : لما هلك حنظلة بن نهد بن زيد (٢) لم يدفن ثلاثة أيام حتى أتاه من كل أوب ، وأتاه من كل حي وجوههم ، فقامت الخطباء بالتعزية ، وقيلت فيه الأشعار حتى عدّ ذلك اليوم من بعض مواسم العرب. فلما ووري في حفرته قام جديلة بن أسد بن ربيعة (٣) فقال : أيها الناس ، هذا حنظلة بن نهد فكّاك الأسير ، وطارد العسير ، فهل منكم اليوم مجاز بفعله ، أو حامل عنه من ثقله ، كلا وأجل ، إن مع كل جرعة لكم شرقا ، وفي كل أكلة لكم غصصا ، لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يستقبل معمّر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ، ولا يجد لذة زيادة في أكله إلا بنفاد ما قبله من رزقه ، ولا يحيى له أثر إلا مات أثر ، ان في هذا لعبرا ومزدجرا لمن نظر ، لو كان أصاب أحد إلى البقاء سلما ووجد الى المرحل عن الفناء سبيلا ، لكان ابن داود المقرون له النبوة بملك الجن والانس ، ثم أنشأ يقول :
__________________
(١) وكذا في المعمرين ٤٠.
(٢) حاكم العرب ، وانظر البيان والتبيين ١ / ٢٨١ وجمهرة الانساب ٤٤٦ ، والمقتضب ١٣٦ ، ١٣٧.
(٣) انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم ٢٩٣ و ٢٩٥ والاشتقاق ٣٢٠ و ٣٢٤ وأمالي ابن الشجري ١٩٦ والى جديلة بن أسد ، تنسب جديلة ربيعة.