أقـول
: قوله تعالى : ( حَتّى
تَسْتَـأْنِسُوا )
قيل فيه وجهان :
أحدهما
: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف
الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من
خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس ، فالمعنى : حتى يؤذن لكم كقوله : ( لا تدخلوا
بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )
وهذا من باب
الكناية والإرداف
، لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن.
والثاني
: أن يكون من الاستئناس الذي هو
الاستعلام والاستكشاف : استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً. والمعنى
حتى تسلّموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا ؟
وقيل : كان أهل الجاهلية يقول الرجل
منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حُيّيتم صباحاً وحُيّيتم مساءً ، ثم يدخل ، فربّما
أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ، فصد الله عن ذلك ، وعلم الأحسن والأجمل.
وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس
كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به ، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك
إذا رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايي إسلام ولا جاهلية ،
وهو ممَّن سمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله ، صلّى الله عليه ـ وآله ـ
وسلم ، ولكن أين الأُذن الواعية ؟.
ولدخول بيوت الأهل ، والأرحام ،
والمشاهد ، والأعتاب المقدسة ، وبيوت الله جلّ جلاله ، آداب قد بينها الكتاب
والحديث ، فمن الأول قوله تعالى :
__________________