انّه في سائر
موارد احتمال الحاكم ، نتمسّك باستصحاب عدم الحاكم ، وعدم التعبّد بالإحراز ، ونحو
ذلك ممّا يثبت به موضوع الأصل المحكوم.
فإن قلت :
فليتمسّك في المقام أيضاً باستصحاب عدم وجود حاكمٍ على الأصل في الإناء الأسود ،
فيثبت موضوعه ، ويكون معارضاً حينئذٍ للأصل في الإناء الأصفر في عرض الأصل الجاري
في الإناء الأبيض في المثال المزبور.
قلت : إذا كان
هناك حكم واقعي أو ظاهري مترتّب على موضوع وجرى استصحاب ذلك الموضوع فذاك الحكم
الواقعي أو الظاهري إنّما يثبت بنفس دليل الاستصحاب ، لا بدليله المثبت له ، وهذا
من خواصّ كون حكومة الاستصحاب على الأدلة حكومةً ظاهريةً لا واقعية.
فمثلاً : إذا
استصحبنا اجتهاد زيدٍ فجواز تقليده يثبت بنفس الاستصحاب ، لا بدليل جواز تقليد
المجتهد ، كما هو واضح.
وعليه فنقول في المقام
: إنّ الأصل المؤمِّن في الإناء الأسود إذا أثبتنا موضوعه ـ وهو عدم وجود الحاكم
بالاستصحاب ـ لم يكن مقتضى ذلك ثبوت الأصل المزبور في الإناء الأسود بدليله ، بل
إنّما يثبت بنفس دليل الاستصحاب تعبّداً ، كما هو الحال في جواز التقليد عند
استصحاب الاجتهاد ، وحينئذٍ فلا يكون استصحاب عدم الحاكم محقّقاً لاقتضاء الأصل في
الإناء الأسود وموضوعه حقيقةً حتى تقع المعارضة بينه وبين الأصل في الإناء الأصفر
في عرض الأصل في الإناء الأبيض ، بل الاستصحاب المذكور بنفسه يكون متكفِّلاً
للتعبّد بجريان الأصل في الإناء الأسود ، فيقع بنفسه طرفاً للمعارضة مع الأصل في
الإناء الأصفر.
وأمّا دليل الأصل
الجاري في الإناء الأسود فوقوعه طرفاً للمعارضة فرع اقتضائه ، واقتضاؤه إنّما يثبت
جزماً بعد سقوط الأصل في الأبيض بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر ، وفي هذه
المرتبة لا معارض لاقتضائه ، فيجري ، فتدبّره فإنّه دقيق.