مشاعل على طريق الأبد .. للمسلمين خاصة ، وللبشرية الراشدة كافة ، يتعلمون في ضوئها الباهر : أن الحق وحده هو المقدس .. وأن التضحية وحدها هي الشرف .. وأن الولاء المطلق للحق ، والتضحية العادلة في سبيله ، هما وحدهما اللذان يجعلان للإنسان وللحياة قيمة ومعنى ..!!!فهل يأذن حفيد الرسول ، وأبو الأبطال ، أن أقدم عنه وعن رفاقه الأبرار هذه الصفحات ..!!إني لأجاوز قدري ، إذا زعمت أو توهمت أنني قادر على إيفاء تضحياتهم وعظمتهم حقها .. لقد وجدت ـ لا غير ـ عبير تلك التضحيات وتلك العظمة ؛ فرحت انادي الناس كي يستمتعوا معي بهذا العبير ..!!! وليشهدوا ـ كما لم يشهدوا من قبل ـ شرف التحضية ، وعزمها القدير ..!! ويا أبا عبد الله .. سلام على البيت الذي أنجبك .. وعلى الدين الذي رباك .. وسلام على رفاقك الأبطال الممجدين ، والشهداء الظافرين.
إلى أن قال في ص ٣٠ :
ثم بحياة الشهيد الممجد والعظيم أبي عبد الله الحسين بن علي ومعه عشرات من إخوانه ، وأهل بيته وصحبه ، في يوم يجعل الولدان شيبا ..!! وهكذا ، لم تكن كربلاء ملحمة ذات فصل واحد ، بدأ وانتهى يوم العاشر من المحرم .. بل كانت ذات فصول كثيرة. بدأت قبل كربلاء بسنوات طوال .. واستمرت بعد كربلاء دهرا طويلا ..!!! أجل .. لقد بدأت ملحمة كربلاء ومأساتها ، يوم تمت خدعة التحكيم ، وحين وقع التمرد الرهيب والفتنة في صفوف أتباع الامام ، ثم حين خلا الجو لراية الأمويين داخل الشام ، وخارج الشام ..!! ولكأنما كان الامام علي يرى ببصيرته الثاقبة كل ذلك المصير ..!! فذات يوم أثناء مسيرة مع جيشه إلى صفين بلغ به السير هذه الرقعة من الأرض ، فتمهل في سيره ثم وقف يتملّى مشهد الفضاء الرهيب ، وسألت عبراته من مآقيه ، واقترب منه أصحابه صامتين واجمين ، لا يدرون ما ذا أسال من مقلتي الأسد الدموع ..!! ثم سألهم ويمناه ممتدة صوب تلك الأرض التي تعلقت بها عيناه : ما اسم هذا المكان؟ قالوا : كربلاء. قال : هنا محطّ رحالهم ومهراق دمائهم ..!!! واستأنف سيره