أن يطاف بها في أحياء الكوفة ثم ترسل إلى يزيد. وكانت فعلة يدارونها بالتوقح فيها على سنّة المأخوذ الذي لا يملك مداراة ما فعل. فبات خولي بن يزيد ليلته بالرأس في بيته ، وهو يمني نفسه بغنى الدهر كما قال. فأقسمت امرأة له حضرمية : لا يجمع رأسها ورأسه بيت وفيه رأس ابن رسول الله. ثم غدا إلى قصر ابن زياد وكان عنده زيد ابن أرقم من أصحاب رسول الله .. فرآه ينكث ثنايا الرأس حين وضع أمامه في اجانة ، فصاح به مغضبا : ارفع قضيبك عن هاتين الثنيتين .. فو الذي لا إله إلّا غيره لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبّلهما .. وبكى .. فهزئ به ابن زياد وقال له : لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك! فخرج زيد وهو ينادي في الناس غير حافل بشيء : أنتم معشر العرب العبيد بعد اليوم .. قتلتم ابن فاطمة وآثرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل شراركم ويستعبد خياركم. وادخلت السيدة زينب بنت علي رضياللهعنها ، وعليها أرذل ثيابها ومعها عيال الحسين واماؤها .. فجلست ناحية لا تتكلم ولا تنظر إلى ما أمامها. فسأل ابن زياد : من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ فلم تجبه .. فأعاد سؤاله ثلاثا وهي لا تجيبه ، ثم أجابت عنها إحدى الإماء : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاجترأ ابن زياد قائلا : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأبطل أحدوثتكم .. وقد كانت زينب رضياللهعنها حقا جديرة بنسبها الشريف في تلك الرحلة الفاجعة التي تهد عزائم الرجال .. كانت كأشجع وأرفع ما تكون حفيدة محمد وبنت علي واخت الحسين. وكتب لها أن تحفظ بشجاعتها وتضحيتها بقية العقب الحسيني من الذكور .. ولولاها لانقرض من يوم كربلاء .. فلم تمهل ابن زياد أن ثارت به قائلة : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه وطهرتا من الرجس تطهيرا .. إنما يفضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله. فقال ابن زياد : قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة. فغلبها الحزن والغيظ من هذا التشفي الذي لا ناصر لها منه ، وقالت : لقد قتلت كهلي ، وأبديت أهلي ، وقطعت فرعي واجتثثت أصلي ، فان يشفك هذا فقد اشتفيت .. فتهاتف ابن زياد ساخرا