قال الشيخ كمال الدين بن طلحة اعلم ان الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس ولها رجال أبطال وصناديد الشئوس ولا يعرف صاحبها إلّا إذا ضاق المجال واشتد القتال وأحدقت الرجال بالرجال فمن كان مجزاعا مهلاعا فتراه يستركب الهزيمة ويستقبلها يستصوب المدينة ويتطرقها ويستعذب المفرة ويتشوقها ويستصحب الذلة ويتعلقها فذلك مهبول الام لا تعرف نفسه شرفا ولا له عن الخساسة والدناءة منصرفا ، ومن كان كرارا صبارا خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مرجحة بعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة ومراوحة الرماح فائدة وعائدة ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة ومناوحة المعائب منقبة شاهدة جانحا إلى ابتياع العز بمهجته ويراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا وان غادرت جماحه قتيلا :
يرى الموت أحلى من ركوب دنية |
|
ولا يقتدي للناكصين دليلا |
ويستعذب التعذيب فيما يفيده |
|
نزاهته عن أن يقال ذليلا |
فهذا مالك زمام الشجاعة وحائزها وله من قداحها معلاها وفائزها وقد صحف النقلة في صحائف السير بما رواه وحرروا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أن الحسين عليهالسلام لما قصد العراق سمع به أميرها عبيد الله بن زياد لعنه الله فسرب الجنود لمقاتلته أسرابا وحزب الجيوش لمحاربته أحزابا وجهز اليه من العساكر عشرين ألف مقاتل ما بين فارس وراجل فأحدقوا به شاكين في كثرة العدد والعديد ملتمسين منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فان أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد ويصعد بالأرواح إلى المحل الأعلى ويطرح الأشباح على الصعيد فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها وعزفت عن ارتكاب الدنية فأباها ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالاجابة إلى مجانبة الذلة وحباها فاختار مجالدة الجنود ومصادمة صباها والصبر على مقارعة صوارمها وسم سباها وكان أكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد كاتبوه وطاوعوه وشايعوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه فلما جاءهم أخلفوا ما وعدوه ومالوا إلى السحب العاجل فقصدوه فنصب