وحمل أهل العراق على أهل الشام ، فتقهقروا ثم توقفوا ، فوقف الأحنف بن قيس يخطب أهل العراق : يا أهل العراق ، والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم ، قد كشف القوم لكم قناع الحياء ، وما يقاتلون على دين ، وما يصبرون إلا حمية وحبا في الدنيا ، فتقدموا ، قالوا : إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس ، فما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال الإمام علي لهم : تقدموا في موضع التقدم ، وتأخروا في موضع التأخر ، تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم.
فانقض أهل الشام يقودهم عمرو بن العاص ، وتقدم أهل العراق يقودهم أمير المؤمنين الإمام علي ، وكان في الدروع والزرد لا تبين منه إلّا عيناه ، وكذلك كان عمرو ، فلم يعرف عمرو أن الذي يقود أهل العراق هو علي الذي ما صارع أحدا إلّا صرعه وتصدى لعمرو ، فلما تلقى عمرو أول ضربة في الصراع أدرك من ثقل الضربة أنها لعلي ، ثم ضربه علي بحربته فأوقعه من على ظهر حصانه ، فأدرك عمرو أنه هالك ، فبادر فكشف عورته وهو يتخبط على الأرض ، فنحى الإمام علي كرم الله وجهه ـ وجهه عن عمرو وتركه يسرع هاربا ، فقال أصحاب علي : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين ، قال : فهل تدرون من هو؟ إنه عمرو بن العاص ، تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه.
وتقدم بسر بن أرطاة ، وهو أقوى فرسان معاوية ليصارع عليا ، فضربه فأسقطه ، فلما أدرك بسر أنه يبارز عليا ، كشف عورته كما صنع عمرو ، فصرف الإمام وجهه عنه ، وتركه يفلت هاربا ، وروى عمرو ما كان من علي ، فقال معاوية : أحمد الله وعورتك ، أما والله أن لو عرفته يا عمرو ما أقحمت نفسك عليه ، ثم قال شعرا يزري فيه بعمرو ، فقال عمرو : ما أشد تعظيمك عليا في أمري هذا؟ وهل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه؟ أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟ قال معاوية : لا ولكنها معقبة لك خزيا.
وهدأ القتال ، فقدر معاوية أن عليا سيقهره إن استمر القتال.