عن الزحف.
يا لقدرة معاوية
على أن يطيش أحلام الرجال بوعود الجاه والثراء والسلطان وإن لديه من المال ما
يمكنه من شراء من يلين : فله خراج الشام كله ملكا خالصا لا يؤدي منه لبيت المال
درهما واحدا.
أما الإمام علي
فما عساه يملك. إنه لا يملك غير العدل في القسمة بين الناس. ما يملك إلا التقوى ،
وما عساها تجدي مع الرجال الذين يصطنعهم معاوية ، من الذين قال عنهم هو نفسه :
إنهم لا يعرفون غير المال. ما عسى أن تجدى التقوى إذا أصبحت ضمائر بعض الرجال
تشترى وتباع ، وتستخدم ، وتزيف باسم المقدسات.
ولكن سقوط هذا
الرجل أو ذاك ، لم يكن ليزيد الآخرين إلا ارتفاعا على الدنايا ، في الحق أن سقوط
رجل ما أو قبيلة ما تحت إغراء ما يعرضه معاوية من مال ومناصب وجاه كان يوجع قلب
الإمام ، ولكن الإمام كان على الرغم من كل شيء يؤمن بأنه من الخير له أن يتخفف من
الذين تعربد رءوسهم الأطماع وأحلام الغنى والأباطيل. إنه لمع الحق ، وإن أوحشت
طرقه ، وقل نصيره ، وكفى بالله نصيرا.
وكان المتأمل في
جند الإمام وجند معاوية يرى عجبا. فأغلب جند الإمام صفر الوجوه من القيام ، وعلى
الجباه علامات من أثر السجود ، ثيابهم خشنة ، ولكن وجوههم على الرغم من كل شيء
تضيء بالثقة ، يسعى نورهم بين أيديهم إلا قليلا.
فإذا وقف الإمام
ينظمهم في صفوف ، ويأمرهم أن يصطفوا كالبنيان المرصوص ، حاوروه حتى يقتنعوا ، وحتى
يفقهوا معنى ما يتلوه عليهم : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ). وحينئذ يغرسون أقدامهم في الأرض بثبات.
أما جند معاوية ،
فكانت ملابسهم فاخرة ، جاءوا إلى القتال في أحسن زينة ، وما كان معاوية في حاجة
إلى أن يكلمهم فالإشارة تغنيه عن العبارة.
وقف عمرو بن العاص
ينظر إلى جند معاوية وجند علي ويقارن بين الحالين ،