وكان أبو الكلاع
من أقوى أصحاب معاوية ، وأشدهم تحرجا ، وأكثرهم سطوة وتأثيرا على أهل الشام.
كان يحب عليا ،
ولكنه خرج يقاتله ، لأن معاوية أقنعه بأن عليا مسئول عن قتل عثمان ، فقد حشد
معاوية عددا ممن ينتسبون إلى العلم ، فجعلهم أئمة على المساجد.
وأجزل لهم العطاء
وأغدق عليهم وأقطع لهم الإقطاعات ، وملأ خزائنهم بالذهب والفضة ، وربط مصيرهم
بمصيره ، وأقنعهم بأنه هو ولي دم عثمان ، وقد قتل عثمان مظلوما ، فلمعاوية سلطان ،
وله الحق في أن يطالب بدمه.
وإذ هذا النفر
يقنعون الآخرين برأي معاوية ، ويتأولون تفسير الآية الكريمة :
(وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً).
هذا النفر من
علماء الشام ، كانوا كما قال الإمام علي عنهم أنهم علماء مرتشون باعوا علمهم
ودينهم بزخرف الدنيا ، فهم يعلمون أن ولي الأمر ـ وهو الإمام ـ هو وحده المسئول عن
القصاص ، ومع ذلك فقد قالوا وعملوا بغير ما تعلموا وبغير ما علموا ، وكان أبو
الكلاع في شك من أمرهم جميعا.
لقد سمع أن عمار
بن ياسر من أمراء جيش علي ، وهو يعلم كما يعلم كل المسلمين أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، فهذا الحديث الشريف
لا يجهله أحد ، ولا ينكره أحد في كل بلاد المسلمين ، وفي كل بلاد المسلمين تتواتر
أحاديث شريفة فيها ثناء على عمار بن ياسر ، وفيها أن عمار بن ياسر ما خيّر بين
شيئين إلا اختار أرشدهما.
ومضى أبو الكلاع
يسأل عمرو بن العاص عن عمار ، وسكت عمرو ، فصاح أبو الكلاع : ويحك ، ما هذا يا
عمرو؟ ألم يقل الرسول صلىاللهعليهوسلم : يلتقي أهل الشام وأهل العراق ، وفي إحدى الكتيبتين الحق
وإمام الهدى ، ومعه عمار بن ياسر؟ قال عمرو في ضيق : عمار بن ياسر سيرجع إلينا.