الذين لا يقبلون إلا ما وافق أهواءهم ، ولا ينظرون إلى الأحداث والحقائق إلا بمنظار الهوى.
ثم إن هذا الكتاب أو ذاك من كتب التاريخ سوف يصبح مصدرا لثقافة الأجيال ، تستقي منه رؤيتها للتاريخ التي ستساهم مساهمة فعالة في صياغة عقائدها.
فحين يجتمع الناس على مصدر من مصادر التاريخ التي نسجت فيها الأحداث تحت إحدى المؤثرات الثلاثة المتقدمة ، على حساب الحقيقة التاريخية ، فمن البديهي أن تحمل أذهانهم برؤى مغايرة للحقيقة.
ومن هنا تتسرب العقائد الدخيلة إلى الأذهان ، فيعتقد الناس بأشياء ومفاهيم ليست هي من الإسلام ومفاهيمه الحقة ، وهم يظنون أنها الحق الذي لا تشوبه شائبة لكثرة ما يرونه من تسطير المؤرخين لما وربما دفاعهم عنها.
وسوف لا يكون العوام وحدهم ضحية هذه الخطيئة ، بل العلماء أيضا يقعون في ذلك حين يقفون علومهم على هذا النوع من المصادر ، وحين يكونون هم أيضا منفعلين بتلك المؤثرات الثلاثة أو بعضها.
فكيف اجتازت عيون التاريخ الإسلامي تلك الأجواء لتحفظ لنا حقائقه؟
لا شك أن الوقوف على المشاهد الحية لإثبات حقيقة ما هو أهم بكثير من البحوث النظرية والبراهين الفلسفية.
مشاهد حية من عيون التاريخ
أولا : مع مصادر القسم الأول :
١ ـ قال الزبير بن بكار (١٤) : قدم سليمان بن عبد الملك إلى مكة حاجا
__________________
(١٤) الزبير بن بكار : هو أبو عبد الله الزبير بن أبي بكر ـ ويسمى : بكار ـ بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، صاحب النسب ، تولى القضاء بمكة للمعتصم العباسي ، وبقي على القضاء حتى توفي سنة ٣٥٦ ه. (وفيات الأعيان ٢ / ٣١١).