وقال أيضا في ص ٣٦٩ :
كان الإمام في لقاءاته الأخيرة مع الخليفة أبي جعفر المنصور يقول له : لا تعجل ، لقد بلغت الرابعة والستين وفيها مات أبي وجدي. فلقد كان يحس باقتراب يومه ويلتمس من ذلك قوة عند اللقاء. تؤيده في الصدام معه والثبات في وجهه ، والدفاع عن حقوق الله والناس عنده ، وتذكيره بالآخرة.
وهو إلى ذلك يهيئ الدولة والناس لما بعد موته.
والناس الذين يتساءلون متى نصر الله ، يولون وجوههم شطر الإمام مذ قطع أبو جعفر أسباب الأمل في الأمان والاطمئنان بالنكال يصبه على من عارضه ، وخص أهل البيت بكفل زاخر من عذابه ، فمال الكثيرون عنه إليهم. ولم يكن باقيا من مشيختهم إلا الإمام الصادق. تهوي إليه الأفئدة من بعيد وقريب ، ويتكأب عليه التلامذة من أشياخ العلماء.
ومضت الأيام والناس بين البأساء والنعماء ، والفزع والرجاء ، والإمام في دروسه ومجالسه يرسي مبادئه للأجيال القادمة ، ويهدي بالقول والعمل ، وبمجرد أن به حياة.
وجاء ذلك اليوم الذي قال فيه وهو رخي البال : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للناس جميع ما تحتاج إليه.
وهو إفصاح عن اكتمال المذهب الشيعي في تعاليمه ، ونظام الدولة الشيعية ، إن أمكن أن تظهر ، والمجتمع الشيعي في كل حال ، وإن شئت قلت : مقاله المجتمع الجعفري أو مقال الفقهاء مجتمع الشيعة الإمامية.
وجاءت ساعة الموت وهو في تمام صحوة ، وأهل البيت حافون حوله.
قالت زوجه حميدة أم الإمام موسى الكاظم ، وكانت من البربر ، لرجل من أصحابه : لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا ، فتح عينيه ثم قال : إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة. أما رواية الإمام موسى الكاظم فنصها : لما حضرت أبي الوفاة قال لي : يا بني لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة.