أو مثل قوله جوابا لسفيان إذ يسأل : يا ابن رسول الله لم اعتزلت الناس؟
قال : يا سفيان قد فسد الزمان وتغير الإخوان فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد ، وأنشد:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب |
|
والناس بين مخاتل وموارب |
يفشون بينهم المودة والصفا |
|
وقلوبهم محشوة بعقارب |
ومثل قوله :
فلا تجزع وإن أعسرت يوما |
|
فقد أيسرت في زمن طويل |
ولا تيأس فإن اليأس كفر |
|
لعل الله يغني عن قليل |
ولا تظنن بربك ظن سوء |
|
فإن الله أولى بالجميل |
ومثل قوله :
لا تجزعن من المداد فإنه |
|
عطر الرجال وحلية الآداب |
فإذا جاءه المناظرون من كل فج عميق ، أو التلاميذ الفقهاء ، يمثلون أقطار الإسلام ، ويجادلون في الأصول أو الفروع ، فهو البحر لا تنزفه الدلاء ، يروى العقول ويشفى الصدور.
فالديصاني زعيم فرقة ملحدة ، وصاحب الإهليلجة طبيب هندي ، وعبد الكريم ابن أبي العوجاء عربي ملحد ، وعبد الملك مصري يتزندق ، وعمرو بن عبيد شيخ المعتزلة ، وأبو حنيفة إمام الكوفة ، ومالك إمام المدينة ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ، كل هؤلاء تملأ مجادلاته معهم الكتب ، ولا يضيق صدرا بجدالهم ، بل يضرب الأمثال ، بمسلكه معهم واتساع صدره لهم ، على الحرية الفكرية التي يتيحها الإمام للناس في مجلسه ، ليفهموا العلم ، أو ليؤمنوا عن فهم ، دون إكراه أو إعنات ، وعلى سعة الخلاف الفقهي لكل اتجاهات المسلمين ، وعلى اليسر والرحمة في الشريعة. فكل هذه أسباب لنشر الإسلام وخلود فقهه.
يقول ابن المقفع ـ وهو متهم بالمجوسية أو بالزيغ على الأقل ـ إذ يومئ إلى الصادق في موضع الطواف : هذا الخلق ما منهم أحد أوجب له بالإنسانية إلا ذلك