والقانون في جامعة الأزهر في «ملامح من حياة مالك بن أنس» (ص ١٥ ط دار الاعتصام ، القاهرة) قال :
روى الخطيب البغدادي بسنده إلى ابن شبرمة قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي ، وسلمت عليه وكنت له صديقا ثم أقبلت على جعفر ، وقلت : أمتع الله بك ، هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل.
فقال جعفر : لعله الذي يقيس الدين برأيه ، ثم أقبل عليّ فقال : أهو النعمان؟
فقال له أبو حنيفة : نعم أصلحك الله.
فقال له جعفر : اتق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس ، إذ أمره الله بالسجود لآدم فقال : أنا خير منه ، خلقتني من نار وخلقته من طين.
ثم قال جعفر : هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟ فقال له أبو حنيفة : لا وفي حديث رزقويه : نعم.
فقال له جعفر : أخبرنى عن الملوحة في العينين ، وعن المرارة في الأذنين ، وعن الماء في المنخرين ، وعن العذوبة في الشفتين ، لأي شيء جعل ذلك؟ قال أبو حنيفة : لا أدري.
قال جعفر : إن الله تعالى خلق العينين ، فجعلهما شحمتين وجعل الملوحة فيهما منّا منه على ابن آدم ، ولو لا ذلك لذابتا فذهبتا ، وجعل المرارة في الأذنين منا منه عليه ولو لا ذلك لهجمت الدواب وأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ، ويجد من الريح الطيبة ومن الريح الرديئة ، وجعل العذوبة في الشفتين ليعلم ابن آدم مطعمه ومشربه.
ثم قال جعفر له : أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان؟ فقال أبو حنيفة : لا أدري.
فقال جعفر : «لا إله إلا الله» فلو قال لا إله ثم أمسك كان مشركا ، فهذه كلمة أولها شرك وآخرها إيمان.