قال عمرو : سواء.
وبعد محاورة في شأن الجزية والصدقات أقبل على عمرو والناس وقال : اتق الله يا عمرو ، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله ، فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلم بكتاب الله وسنة رسول الله أن رسول الله قال : ومن ضرب بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف (١).
__________________
(١) قال الفاضل المعاصر الشيخ محمد أبو زهرة في «تاريخ المذاهب الإسلامية» ص ٧١٧ ط دار الفكر العربي:
كان الإمام جعفر الصادق يعيش في عصر وجدت فيه آراء منحرفة حول الوحدانية ، فمن الناس من كان يتوهم أن لله تعالى يدا وأن لله تعالى وجها ويتصور الله سبحانه على صورة إنسان ، وهؤلاء هم الحشوية ، وهم بقية من بقايا الوثنيين. وقد تصدى لهم الإمام جعفر الصادق ، فأرشدهم وهداهم. والمعتزلة يعدونه إماما من أئمتهم ، ويعتبرون العترة النبوية على مثل آرائهم. والحق أن آراءهم في التنزيه لله سبحانه وتعالى متلاقية مع آرائهم في الجملة ، وهم قد وصفوا الله تعالى بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يشبه أحدا من خلقه ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، فلا ولد ولا مولود ، ولا حلول في جسم إنسان كائنا من كان ، وليس له يد ولا لسان ، ولا شيء مما يشبه الإنسان ... وكل نص ورد في القرآن فيه عبارة اليد أو الوجه فهو من المجاز المشهور الذي لا يحتاج إلى تأويل ، ولم تجر حوله مناقشة من السلف ، فما فهم أحد من السلف أن لله يدا من قوله تعالى (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) بل فهموا جميعا من ذلك السلطان ، وتوثيق العهد ، وأنهم إذ عاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقد عاهدوا الله سبحانه وتعالى.
وينسب الشيعة إلى الإمام جعفر رسالة في التوحيد ، قد دونها تلميذه المفضل بن عمرو ، وقد أخذها عنه في أربعة مجالس. والرسالة تتجه إلى إثبات وجود الله تعالى ، وإثبات وحدانيته بأدلة مشتقة من الموجودات : الأحياء والجماد ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والنجوم والكواكب. وفي كل مجلس من المجالس الأربعة يبتدئ الكلام بأوصاف الله تعالى. ولنذكر مثلا بعض المجلس الرابع منها ، فهو يقول في افتتاحه : منا التحميد والتسبيح والتعظيم للاسم الأقدس ، والنور الأعظم العلي العلّام ذي الجلال والإكرام ، ومنشئ الأنام ،