الخليفة. والخلافة في تعبير الشارع بل والمتشرّعة تفيد معنى له من الجلال والجمال والقداسة والحكم على أساس الخير والعدل والقيم الإنسانية ، ومعاملة الضعفاء بالرفق ، ما لا يفيده غيرها ، لأن الخليفة تتصل سلطته بسلطة الله الحكيم العادل الرحمن الرحيم الجبّار القاهر الجواد القدّوس العطوف الغفّار السلام ، فالخليفة لا يستبد بالأمر ولا يخرج عن المنهاج الذي رسمه الله له ، ولا أمر له إلّا إقامة الحقّ ودفع الباطل ، وتهذيب النفوس والعمل بالكتاب والسنّة. فمن كان خارجا عن هذا النهج والهدف لا يكون خليفة ، بخلاف الأمير والحاكم والسلطان.
وقد ظهر لك أنّ الخلافة منصب إلهيّ ونيابة عن الله تعالى لا تتمّ ولا تتحقّق إلّا بالجعل الإلهي لا يشركه في ذلك أحد.
ويدلّ على ذلك ـ مضافا إلى حكم العقل بأنّ تعيين خليفة الله في الأرض يلزم أن يكون بنصبه تعالى وجعله ـ قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ) (١) و (إِنَّا جَعَلْناكَ) (٢) فإن المستفاد منهما أنّ جعل الخليفة من شئون الله تعالى وأفعاله الخاصّة به لا شريك له في ذلك ، فليس لغيره كائنا من كان جعل الخليفة في الأرض.
ومما ينبغي الإشارة إليه ، أنّ الخلافة لطف من ألطاف الله تعالى العامّة لا تخصّ زمانا دون زمان ، فهو كغيره من ألطافه وعناياته العامّة التي تقتضيها ربوبيّته المطلقة ورحمته الشاملة وحكمته الكاملة ، وهي تشمل عباده في كل عصر ومكان ولا تختص بأهل زمان أو منطقة فقط ، فإنّ الجاعل للخليفة هو الله الفيّاض الجواد الذي لا يبخل بمعروفه ولا تنفد خزائنه وهو الحكيم الخبير ، وإذا ثبت صدور هذا اللطف منه في زمان ،
__________________
(١) ـ البقرة : ٣٠.
(٢) ـ ص : ٢٦.