والثاني : ما اختاره النووي ـ بعد الرد على الأول ـ وهو أنه قاله للعذر المذكور ، أي كونه رقيق القلب كثير البكاء ، فخشي أن لا يسمع الناس!
والثالث : ما احتمله ابن حجر ، وهو : أن يكون فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى ، وعلم ما في تحملها من الخطر ، وعلم قوة عمر على ذلك فاختاره) (١٥٤).
وهذه الوجوه ذكرها الكرماني قائلا : (فإن قلت : كيف جاز للصديق مخالفة أمر الرسول ونصب الغير للإمامة؟! قلت : كأنه فهم أن الأمر ليس للإيجاب. أو أنه قاله للعذر المذكور ، وهو أنه رجل رقيق كثير البكاء لا يملك عينه. وقد تأوله بعضهم بأنه قال تواضعا) (١٥٥).
قلت : أما الوجه الأول فتأويل ـ وهكذا أولوا قوله عندما استخلفه الناس وبايعوه : (وليتكم ولست بخيركم) (١٥٦) ـ لكنه ـ كما ترى ـ تأويل لا يلتزم به ذو مسكة ، ولذا قال النووي : (وليس كذلك).
وأما الوجه الثاني فقد عرفت ما فيه من كلام النبي.
وأما الوجه الثالث فأظرف الوجوه ، فإنه احتمال أن يكون فهم أبو بكر!! الإمامة العظمى!! وعلم ما في تحملها من الخطر؟! علم قوة عمر على ذلك فاختاره! ولم يعلم النبي بقوة عمر على ذلك فلم يختره!! وإذا كان علم من عمر ذلك فعمر أفضل منه وأحق بالإمامة العظمى!!
لكن الوجه الوجيه أنه كان يعلم بأن الأمر لم يكن من النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعمر كان يعلم ـ أيضا ـ بذلك ، ولذا قال له في الجواب : (أنت أحق بذلك) ، وقوله لعمر : (صل بالناس) يشبه قوله للناس في السقيفة : (بايعوا أي الرجلين شئتم) يعني : عمر وأبا عبيدة ...
__________________
(١٥٤) فتح الباري ١ / ١٢٣.
(١٥٥) الكواكب الدراري ـ شرح البخاري ٥ / ٧٠.
(١٥٦) طبقات ابن سعد ٣ / ١٨٢.