ولقد جهد المعتزلة الفصل بين المقولتين ، والحكم بعدم الملازمة بينهما :
قال القاضي عبد الجبار : فإن قيل : أليس عندكم أنه تعالى : «شئ لا كالأشياء» وقادر لا كالقادرين ، وعالم لا كالعالمين ، فهلا جاز أن يكون «جسما لا كالأجسام»؟
قيل له : إن «الشئ» اسم يقع على ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، ويتناول المتماثل والمختلف والمتضاد ، لهذا يقال في السواد والبياض : أنهما «شيئان» متضادان ، فإذا قلنا : إنه تعالى «شئ لا كالأشياء» فلا يتناقض كلامنا ، لأنا لم نثبت بأول كلامنا ما نفيناه بآخره ، وكذا إذا قلنا : إنه تعالى قادر لا كالقادرين ، وعالم لا كالعالمين ، فالمراد به أنه قادر لذاته ، وعالم لذاته ، وغيره قادر لمعنى ، وعالم لمعنى.
وليس كذلك ما ذكرتموه ، لأن الجسم هو : ما يكون طويلا عريضا عميقا ، فإذا قلتم : إنه «جسم» فقد أثبتم له الطول والعرض والعمق ، ثم إذا قلتم : «لا كالأجسام» فكأنكم قلتم : ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ، فقد نفيتم آخرا ما أثبتموه أولا ، وهذا هو حد المناقضة ، ففارق أحدهما الآخر (٨٧).
وقد ذكر الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده مثل هذا الكلام بعينه ، وأضاف. وإذا كان قد قام الدليل على أنه ليس «جسما» فلا يصح القول : إنه «جسم لا كالأجسام» لأن حكم الأجسام واحد (٨٨).
والجواب : إن «الجسم» عند هشام وفي مصطلحه ، وعند من يطلق مقولة «جسم لا كالأجسام» على البارئ تعالى ، هو بمعنى «الشئ» وليس بمعنى «ما له الطول والعرض والعمق» كما فرضه المعتزلة حتى يرد عليه ما ذكروه ، فكلامهم هذا كله خروج عن مصطلح هشام.
وإذا كان «الجسم» بمعنى «الشئ» فكما يصح إطلاق مقولة : «شئ لا
__________________
(٨٧) شرح الأصول الخمسة : ٢٢١.
(٨٨) في التوحيد ، تكملة ديوان الأصول : ٥٩٦.