خلاصة البحث
بعد هذا العرض الموجز لما سمي ب (أصول النحو) يبدو لي أن الذين وضعوا هذه الأصول ، لم يكونوا على جانب من الجدية في وضع (أصول) يراد لها أن تكون (منطقا) أو منهج بحث للتفكير النحوي ، واستنباط أحكامه ، كما كانت (أصول الفقه) منطق الفقه ، ومنهج التفكير الفقهي ، وكل ما في الأمر أنهم رأوا في أصول الفقه (أصولا جاهزة) يمكن ضرب الأمثال لها ـ ولو بالتمحل ـ من مسائل النحو وأحكامه.
وقد رأيت أن الأصول ـ أية أصول ـ تبحث في ناحيتين : تشخيص الأدلة ... وأوجه دلالتها ولم يوفق هؤلاء المؤلفون ـ عدا ابن جني ـ في عملية (التقليد) التي ساروا عليها ، لا في تشخيص أدلة النحو ، ولا في طرق دلالتها ، أما التشخيص فلم يثبت منها ما يصلح لأن يكون (دليلا) لاستنباط الحكم النحوي غير (النص) و (القياس على النص) مع ما أثرناه وأثاره الكثيرون من ملاحظات على أصولهم في السماع والقياس.
أما الاجماع ، والاستحسان ، والاستصحاب ، فهي إلى الوهم أقرب منها إلى الظن ، وقد أوحتها طبيعة تقليد هؤلاء النحاة لمذاهبهم الفقهية كما رأيت!! وأما أوجه دلالة الأدلة ، فقد نقشت بصورة ساذجة عن أصول المذاهب الفقهية التي كان يتبعها هؤلاء النحاة سواء في الأركان ، أم الشرائط ، أم الأقسام ، أم المسالك ، أم قواعد التوجيه.
وأنا إذ أستثني ابن جني ، فلأن كتابه (الخصائص) لم يعقد لأصول النحو وحدها ـ وإن توسع في بحوث القياس بما يعود نفعه على فروع اللغة عموما ـ ولأنه ، بما له من أصالة وسعة ، وجدية ، لم ينقل عن أصول الفقه نقلا يكاد يكون حرفيا ـ كما فعل الأنباري والسيوطي ـ ، بل إن عقده بابين للإجماع والاستحسان ، لم يكن فيهما ما يشعر بأنه يؤكد حجيتهما ، على أساس أنهما كالقياس والسماع ، وقد رأيت كيف أنه غمز من قناة الاجماع وجوز للقائس مخالفته ، وجعل