ما تقدّم ، وإذا خفضت كانا في تقدير اثنين مضافين وإن كانا مبنيين (١) كقوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(٢) وهما لابتداء الغاية في الزمان الماضي ، كما أنّ من الابتداء الغاية في المكان نحو : ما رأيته مذ يوم الجمعة ، ويدخلان على الزمن الحاضر فيكونان بمعنى في نحو : ما رأيته مذ يومنا أو مذ شهرنا ، أي في يومنا أو شهرنا (٣) ، والبصريون يخصّون من بغير الزمان فلا يجيزون : ما رأيته من يوم الجمعة ، والكوفيون يجيزونه (٤).
وأمّا حاشا وعدا وخلا (٥) : ففيها معنى الاستثناء ، وإذا جررت بها تكون حروفا (٦) ، وإذا نصبت بها تكون أفعالا قد أضمر فاعلوها ، فإن دخلت «ما» عليها كقولك : قام القوم ما عدا عمرا ، تعيّنت للفعليّة وتعيّن النصب ، واعلم أنّ «كي» عند الزمخشري (٧) وغيره من البصريين حرف جرّ بمنزلة اللام إذا قال : جئتك لأمر ، فتقول : كيمه كما تقول : لمه ، لأنّ كي دخلت على ما الاستفهاميّة وهي اسم فلا بدّ من أن تكون كي حرفا من حروف الجرّ لدخولها على الاسم ، لأنّها لو كانت هي الناصبة للفعل لم تدخل على الاسم ، لأنّ عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء.
ذكر حذف حرف الجرّ (٨)
ويحذف حرف الجرّ فيتعدّى الفعل بنفسه كقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)(٩) أي من قومه وكقول الشاعر : (١٠)
__________________
(١) ورده ابن هشام في المغني ١ / ٣٣٥ حيث قال : والصحيح أنّهما حرفا جرّ. وانظر الإنصاف ، ١ / ٣٨٢ وشرح التصريح ، ٢ / ٢٠ ـ ٢١.
(٢) من الآية ٦ من سورة النمل.
(٣) شرح الوافية ، ٣٨٥.
(٤) الإنصاف ، ١ / ٣٧٠ والنقل من شرح الوافية ، ٣٨٥.
(٥) الكافية ، ٤٢٤.
(٦) شرح المفصل ، ٨ / ٤٩ والهمع ، ١ / ٣١.
(٧) المفصل ، ٢٩١ ، والإنصاف ، ٢ / ٥٧٠.
(٨) المفصل ، ٢٩١ وإيضاح المفصل ، ٢ / ١٦٠.
(٩) من الآية ١٥٥ من سورة الأعراف.
(١٠) هذا صدر بيت لم يعرف قائله وعجزه :
ربّ العباد إليه الوجه والعمل
ورد في الكتاب ، ١ / ٣٧ والمقتضب ، ٢ / ٣٢٠ والخصائص ، ٣ / ٢٤٧ وشرح المفصل ، ٧ / ٦٣ ،