على كاد ففيها ثلاثة مذاهب (١) :
الأول : وهو الأصحّ ، أنّها كالأفعال إذا دخل عليها النفي كان معناها نفيا ، وإذا تجرّدت من النفي كان معناها إثباتا ، لأنّ قولك : كاد زيد يقوم ، معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام ، فإذا قلت : ما كاد زيد يقوم ، فمعناه نفي قرب القيام.
والمذهب الثاني : أن تكون (٢) كاد على العكس من الأفعال الماضيّة والمستقبلة ، إثباتها نفي ونفيها إثبات ، كما إذا قلت : كاد زيد يخرج ، فالخروج غير حاصل ، وما كاد زيد يخرج ، فالخروج حاصل.
والمذهب الثالث : أن تكون كاد في نفي المستقبل كالأفعال تمسّكا بقوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها)(٣) لأنّه لا يستقيم أن يكون المعنى إلّا كذلك لأنه واقع بعد قوله تعالى : (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ)(٤) وفي الماضي خاصة / على العكس من الأفعال نفيا وإثباتا تمسّكا بقوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٥) ووجه التمسّك أنّ فعل الذّبح واقع بلا شك ، واللفظ منفيّ ، أعني ما كاد ، والجواب : أنه محمول على أنّ حالهم كانت قبل الذّبح في التعنّت حال من لم يقارب الفعل ، فالإخبار عن نفي مقاربة الذّبح قبل الذّبح عند ذلك التعنّت ، والإخبار عن الذّبح بعد ذلك ، أي فذبحوها وما كادوا قبل ذلك يقاربون أن يفعلوا (٦) وقد أخذ على ذي الرّمة من يرى أنّ كاد نفيها إثبات في قوله : (٧)
إذا غيّر الهجر المحبين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح |
وهو أنه فهم من ذلك الإثبات وهو زوال رسيس الهوى ، والصواب حمل البيت المذكور على الصّحة ، لأنّ المعنى ؛ إذا غيّر الهجر المحبين لم يقارب حبّي التغيير
__________________
(١) إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٣ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٦ والهمع ، ١ / ١٣٢ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٦٨.
(٢) في الأصل يكون.
(٣) من الآية ٤٠ من سورة النور.
(٣) من الآية ٤٠ من سورة النور.
(٤) من الآية ٧١ من سورة البقرة.
(٥) إيضاح المفصل ، ٢ / ٦٣ وشرح الوافية ، ٣٧١.
(٦) البيت لغيلان بن عقبة المشهور بذي الرمة ورد في ديوانه ، ٧٨ وروي منسوبا له في إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٥ وشرح الوافية ، ٣٧٠ وشرح المفصل ، ٧ / ١٢٤ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٦٨ ورواه الرضي في شرح الكافية ، من غير نسبة ، ٢ / ٣٠٨.