يأتوا بمثله ، وتركهم المعارضة مع تكرار التحدي عليهم وطول التقريع لهم ، فإذا عجز العرب عن ذلك فنحن أولى بالعجز.
ومن قائل يقول : وجه الاعجاز فيه هو ما اختص به من الفصاحة والبلاغة التي بهرم عند سماعها ، وطأطأوا رؤوسهم عند طروقها ، وعليه الأكثرون.
فإن عسى اعترض المعترض وقال :
ماذا أعجزهم؟ وماذا أبهرهم؟ ألفاظ القرآن أم معانيه؟! إن قال : أردت الألفاظ مع شئ منهما لا يجب فضل البتة على تقدير الانفراد ، لأن الألفاظ [لا] تراد لنفسها ، وإنما تراد لتجعل دلالات على المعاني ، ولأن الألفاظ التي نطق بها القرآن ليست إلا أسماء وأفعالا وحروفا مرتبطا بعضها ببعض ، ويستعملونها في مخاطباتهم ، وكذلك الجمل المنظومة.
وإن قال : أعجزهم المعاني. يقال له : أليس إنهم كانوا أرباب العقول وأهل الحجى ، يدركون غوامض المعاني بأفهامهم ، ولهم المعاني العجيبة ، والتمثيلات البديعة ، والتشبيهات النادرة.
وإن قال : بهرم النظم العجيب. يقال له : أليس. معنى النظم هو تعليق الكلم بعضها ببعض ، وهي الأسماء والأفعال والحروف ، ومعرفة طرق تعلقها ، كتعلق الاسم بالاسم ، بأن يكون خبرا عنه أو صفة له أو عطف بيان منه ، أو عطفا بحرف عليه ، إلى ما شاكله من سعة وجوهه ، وكتعلق الاسم بالفعل ، بأن يكون فاعلا له ، أو مفعولا ، إلى سائر فروعه واتباعه ، وكتعلق الحرف بهما كما هو مذكور في كتب النحو ، وهم كانوا يعرفون جميع ذلك ، وكانوا يستعملونه في أشعارهم وخطبهم ومقاماتهم ، ولو لم يعرفوا وجوه التعلق في الكلم ، ووجوه التمثيلات والتشبيهات ، لما تأتى لهم الشعر الذي هو نفث السحر.
فحين تأتى لهم ذلك ، ومع هذا عجزوا عن المعارضة ، دل على أن الله تعالى أحدث فيهم عجزا ومنعا.