وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) (١) ، فكيف يصحّ الأمر بالطاعة والمسارعة إليها مع كون المأمور ممنوعا عاجزا عن الإتيان به؟ وكما يستحيل أن يقال للمقعد الزّمن قم ، ولمن يرمى من شاهق جبل احفظ نفسك فكذا هاهنا «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : أمر العباد بالمسارعة في الخيرات من باب التكليف ، وقد سبق فائدة التكليف وأنّه ربّما يصير داعيا إلى إقبال العبد إلى الله تعالى وخلق الثّواب والعقاب عقيب التكليف والبعثة ، وعمل العباد كخلق الإحراق عقيب النّار فكما أنّه لا يحسن أن يقال : لم خلق الله تعالى الإحراق عقيب النّار؟ كذلك لا يحسن أن يقال : لم خلق الثّواب والعقاب عقيب الطاعة والمعصية ، فانه تعالى مالك على الإطلاق ، ويحكم ما يريد ، وأمّا قوله : كيف يصحّ الأمر بالطاعة والمأمور به (٢) عاجز ، فالجواب ما سبق أنه ليس بعاجز عن الكسب والمباشرة ، والكلام في الخلق والتأثير لا في الكسب والمباشرة «انتهى».
أقول
قد سبق أنّ العبد بطبعه لا يخلو عن الفعل والترك ، فلا حاجة له في ذلك إلى التكليف فبقى أن يكون التكليف للحثّ على الخيرات والزّجر عن المعاصي كما ذكره المصنف قدسسره ، وقد سبق أيضا أنّ نفى السببيّة الحقيقيّة سفسطة لا يلتفت إليها ، وأنّ المالك على الإطلاق إنّما يحسن منه التّصرف على الوجه الحسن ، فإذا تصرّف لا على وجه يستحسنه العقل السّليم يذمّ ويحكم عليه بالسّفه ، وأما ما ذكره في الجواب
__________________
(١) الزمر. الآية ٥٤.
(٢) اى الشخص المأمور بالطاعة والامتثال واللام الداخلة على الوصف موصولة فلا تغفل.