مَآباً) (١) ، وقد أنكر الله تعالى على من نفى المشيّة عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) (٢) (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)(٣) «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : هذه الآيات تدلّ على أنّ للعبد مشيئة وهذا شيء لا ريب فيه ، ولا خلاف لنا فيه ، بل النزاع في أنّ هذه المشيئة التي للعبد هل هي مؤثرة في الفعل موجدة إيّاه أو هي موجبة للمباشرة والكسب؟ فإقامة الدّليل على وجود المشيئة في العبد غير نافعة له ، وأما قوله : قد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه ، وأضافها إلى الله تعالى بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، فنقول : هذا الإنكار بواسطة إحالة الذّنب على مشيئة الله تعالى عنادا أو تعنّتا (٤) فأنكر الله عليهم عنادهم ، وجعل المشيئة الالهيّة علّة للذّنب ، وهذا باطل ، ألا ترى إلى قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) كيف نسب عدم الاشراك إلى المشية : ولو لا أنّ الإنكار في الآية الاولى لجعل المشيئة علّة للذّنب ، وفي الثانية لتعميم حكم المشيئة الموجبة للخلق ، لم يكن فرق بين الاولى والثّانية والحال أنّ
__________________
(١) النبأ. الآية ٣٩.
(٢) الانعام. الآية ١٤٨.
(٣) الزخرف. الآية ٢٠.
(٤) الفرق بين العناد والتعنت بعد اشتراكهما في كونهما دالين على اللجاج ، أن العناد يقال فيما كان صاحبه عالما بكون ما يذهب اليه مخالفا للحق بخلاف التعنت فانه أعم ، أو الفرق أن العناد حيثما كان صاحبه لجوجا ولدودا ، والتعنت حيثما يظهر اللداد أو غير ذلك.