الاعتراضات ، فلو أنّه أنصف من نفسه يعلم أنّ ما نقول في تعصبّه حقّ انتهى.
أقول
وقد حكم القاضي عياض المالكي أيضا بصحّة الحديث ، لأنّه مذكور في كتابين سمّاهما مؤلّفاهما بالصّحيح ، وأجاب عمّا يتضمّنه من نسبة الذّنب إلى موسى عليهالسلام بأنّ الحديث ليس فيه ما يحكم على موسى بالتعدّي وفعل ما لا يجب له إذ هو ظاهر الأمر بين الوجه جائز الفعل ، لأنّ موسى دافع من نفسه مدافعة من أتاه لإتلافها ، وقد تصوّر له في صورة آدمي ولا يمكن أنّه علم حينئذ أنّه ملك الموت فدافعه عن نفسه مدافعة أدّت إلى ذهاب عين تلك الصورة التي تصوّر له فيها الملك امتحانا من الله فلمّا جاءه بعد وأعلمه الله أنّه رسوله إليه استسلم انتهى ، وفيه ما فيه أمّا أولا فلأنّ عدم إمكان الاستعلام ممنوع إذ كثيرا ما تتصوّر الملائكة للأنبياء بصورة غيرهم ويعلمون بهم (١) على أنّ في الحديث أنّ ملك الموت لما رجع إلى ربّه ، وقال : أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه وقل له يضع يده إلخ ، وهذا قرينة شعوره بالملك ، واما ثانيا فلأنّه لا وجه للاختيار والامتحان بعد القول بأنّه فعل الواجب من المدافعة فافهم ، وقد يجاب بحمل فقأ عينه على المجاز من قولهم فقأ عين حجّته ، فالمراد صكّه ولطمه بالحجّة وفقأ عين حجّته ، وفيه أنّه لا يلائم ما وقع في
الحديث بقوله : فرد الله عليه عينه ، وايضا فما المباحثة الواقعة مع ملك الموت عند قبض روحه حتّى يحتاج إلى إيراد حجّته وإبطاله ، وأجاب بعضهم بأنّه يحتمل أن يكون هذا الفعل وقع منه من غير اختيار ، لأنّ للموت سكرات انتهى ، وأقول : هذا الجواب الخارج عن الصّواب مأخوذ عمّا سيجيء من قول الثاني في شأن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الرّجل ليهجر أو ليهذو على اختلاف الرّوايتين ، فانظروا أيّها الاخوان بنظر الإنصاف والعناية أنّ سعة ميدان الغواية إلى أى غاية؟ ثمّ ليس الكلام في مجرّد نسبة الذنب إلى
__________________
(١) كما ورد في كتب الفريقين من تصور جبرائيل بصورة (دحية الكلبي) فراجع المظان.