وإنّما جعله النّاصب نقضا ليصير أقلّ قبولا لورود أقسام البحث عليه فافهم (١) ، وبما قررناه من كلام شارح التجريد ظهر بطلان ما ذكره النّاصب من أنّ المصنّف سرق هذين الوجهين من كلام أهل السنّة والجماعة إلخ ، وأما ما ذكره في جواب الأوّل من الوجهين فمردود ، بأنّه لمّا كان المفروض أنّه تعالى إنّما يعلم المعلوم كالفعل مثلا على الوجه الذي سيقع ، فمن أين يحصل في المعلوم اختلاف يوجب انقلاب علمه تعالى جهلا ، وأما ما ذكره في جواب الثّاني منهما فمزيّف : بأنّه لو كان الوجوب اللّاحق نافيا لاختيار الفاعل لكان الله تعالى أيضا غير مختار فيما وجد من أفعاله : لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد وذلك وجوب لاحق ، فيكون الله تعالى مضطرّا غير مختار فيه ، وبطلانه ممّا لا يخفى ، وتحقيق الكلام في ذلك أنّ مدار (٢) معنى القدرة والاختيار على أنّ هذا الفعل بالنسبة إلى ذات هذا الفاعل بحيث إن شاء فعله وإن لم يشأ لم يفعله مع قطع النّظر عن الأمور العارضة الموجبة والمحيلة للطرف الآخر كما في الواجب ، والامتناع الحاصل من علمه تعالى بالفعل والتّرك خارج عن ذات الفاعل لاحق للفعل غير مؤثّر فيه ، فلا يوجب سلب اختياره بالنظر
__________________
(١) إشارة الى أنه حيث كان في مقام رد هذا الدليل ارتكب بما هو دابه من النقود الغير الدخيلة في تحقيق المطلب وجعله مناطا للفحش والسباب ، ونسبة السرقة ، وما أبعده من شأن أهل البحث والتحقيق ، والمشاحة في التعبير بالنقض أو الدليل لا يليق بهم فضلا عن جعله مناطا للوقيعة في حق المسلم وارتكاب ما هو فعل الأراجيف والأرذال السفلة.
(٢) لا يخفى على من سبر في كلمات المتكلمين أن لهم في تعيين مدار القدرة تعبيرين أحدهما أن المدار فيها صدق قضية ان شاء فعل وان شاء ترك بجعل كل واحد من الفعل والترك متعلقا للمشية والثاني ان المدار فيها صدق قضية ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ، فما ذكره مولانا القاضي الشريف يوافق أحد القولين ، وهو التحقيق لدى أهله.