لما يلزم منه الاتحاد المذكور (وكذا) الكلام في قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) فان الانسان لم يخلق من ابيه بل خلق من ماء يدفقه ابيه ، اى يصبه في بطن امه ، فلا يصح ان يقال ان المراد من (ماءٍ دافِقٍ) هو الاب ، اذ (لا معنى لقولنا خلق) الانسان اى الابن (من شخص) اى ابيه الذى (يدفق الماء اى يصبه) في بطن امه. وايضا لا معنى حينئذ لقوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ).
والحاصل ان الماء ـ اى المنى ـ مدفوق ، اي مصبوب في بطن الام ، والاب دافق وصاب للماء ، والابن يخلق من الماء بدليل قوله تعالى (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) فلا يتمشى ما ذهب اليه السكاكى (في قوله تعالى (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ)) اذ يصير المعنى على مذهبه ان الابن خلق من الأب ، وهو خلاف قوله تعالى في الاية الاخرى ، لأنها صريحة في ان الانسان مخلوق من ماء ابيه المختص به ، وسيأتى في بحث تنكير المسند اليه ان المراد من قوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) هو نطفة ابيه المختصة به.
هذا ما يقتضيه عبارة الكتاب من الشرح ، ولكن قال بعض المحققين : جاء فاعل في القرآن بمعنى المفعول في موضعين : الأول قوله تعالى (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) اى لا معصوم ، الثانى قوله تعالى (ماءٍ دافِقٍ) بمعنى مدفوق ، وجاء اسم المفعول بمعنى الفاعل في ثلاث مواضع الأول قوله تعالى (حِجاباً مَسْتُوراً) ، والثانى قوله تعالى (كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) اى آتيا ، والثالث قوله تعالى (جَزاءً مَوْفُوراً) اى وافرا ـ انتهى.