(واما الكبرى)
فلأن قضية تقابل الاقوال : أن صاحب كل قول منها لا يرضى بالقول الآخر ، فكل يرد
صاحبه فيصير كل الوجوه مردودة ، والمفروض قيام الاعجاز بشىء من هذه ، الوجوه ،
فبعد بطلانها يبطل اصل الاعجاز ، إذ لا بدّ في تحققه من صحة احدها ، مع ان الدعوة
النبوية عامة بالنسبة الى كافة الناس ، فلا بد ان يكون معجزته ايضا عامة ، فلا بد
وان تكون بحيث يفهمها كل الناس ، والاختلاف المذكور ينبىء عن اختفاء كل من الوجوه
الظاهرة من المختلفين عن الاخرين ، حيث ان كلا منهم ينكر ما فهمه الاخر ، فليس فيه
جهة واضحة من جهات الاعجاز ، مع لابدّيتها عقلا فلا إعجاز له ، وربما يؤيد ذلك بان
كلا من الوجوه المذكورة قابل في نفسهه للانكار ، فلا يمكن إلزام الخصم به ولا يحصل
القطع بالاعجاز.
والجواب : ان
هذا الاختلاف إنما نشأ من معلومية اصل الأعجاز ، وكونه مسلما مفروغا عنه ومجمعا
عليه ، وذلك إنما نشأ من معلومية ان النبي صلىاللهعليهوآله تحدى بالقرآن الكريم ، وأفحم من تصدى لمعارضته من العرب
العرباء ، وأعجز من تحدي من الخطباء الفصحاء البلغاء ، مع انهم اهم العصبية
والجاهلية الجهلاء ، وارباب الكبر والخيلاء ، فأقروا بالعجز والضعف والقصور ، وليس
ذلك من خوفهم وتقيتهم لعدم مقتض لذلك بعد ظهور قوتهم وكثرة قبيلتهم ، والنبي صلىاللهعليهوآله ادعى النبوة واظهر الامر ، وهو وحيد فريد ، على فترة من
الرسائل ، وطول هجعة من الامم ، وتلظ من الحرب واندراس لحمله العلوم