لأمره ، وابلغ في تكذيبه ، واسرع في تفريق اتباعه ، من بذل النفوس والخروج
من الأوطان ، وانفاق الأموال.
وهذا من جليل
التدبير ، الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ، ولهم
القصيد العجيب ، والرجز الفاخر ، والخطب الطوال البليغة ، والقصار الموجزة.
ولهم الاسجاع
والمزدوج ، واللفظ المنثور ، ثم يتحدى به اقصاهم ، بعد ان اظهر عجز ادناهم.
فمحال ـ اكرمك
الله ـ ان تجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر ، والخطأ المكشوف البين ،
مع التقريع بالنقص ، والتوبيخ على العجز.
وهم اشد الخلق
انفة ، واكثرهم مفاخرة ، والكلام سيد عملهم ، وقد احتاجوا اليه ، والحاجة تبعث على
الحيلة في الأمر الغامض ، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة.
وكما انه محال
ان يطبقوه ثلاثا وعشرين سنة ، على الغلط في الأمر الجليل لمنفعة ، فكذلك محال : ان
يتركوه وهم يعرفونه ، ويجدون السبيل اليه وهم يبذلون اكثر منه. انتهى.
ثم قال : ولما
ثبت كون القرآن معجزة نبينا (ص) ، وجب الاهتمام بمعرفة وجه الاعجاز ، وقد خاض
الناس في ذلك كثيرا ، فبين محسن ومسىء.
فزعم قوم : ان
التحدي وقع بالكلام القديم ، الذي هو صفة الذات وان العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق
، وبه وقع معجزها.
وهو مردود :
لان ما لا يمكن الوقوف عليه ، لا يتصور التحدي به.