لافتخار أجلّتهم (١) على الإماميّة والمعتزلة في مسألة خلق الأعمال وغيرها بموافقتهم للفلاسفة فيها ، فهو في ذلك حقيق بأن ينشد عليه شعر
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
وممّا ينبغي أن ينبّه عليه في هذا المقام : أن المقالات العجيبة التي تفرّد بها شيخ الأشاعرة ليست ممّا تنتهي إلى مقدّمات دقيقة قد اطلع هو عليها بدقّة الفكر وممارسة الفنون العقليّة والنقليّة ، لأنّه قد علم وتواتر أنّه لم يكن من أهل هذا الشّأن ، والعلماء المطلعين على قوانين الحدّ والبرهان ، بل إنّما ذهب إلى بعض تلك المقالات بمجرّد مخالفة أرباب الاعتزال ، وحبّ التّفرّد في المقال طلبا (٢) لرئاسة الجهّال ، ولهذا ترى الحكيم شمس الدّين الشّهرزوري (٣) جعل متابعة فخر الدين الرازي لمذهب الشّيخ الأشعري قدحا على ذكائه وشعوره ودليلا على نقصان كماله وقصوره عن مرتبة الحكماء المحقّقين ، والرّعيل الأوّل من المدققين فقال : وأعجب أحوال هذا الرّجل أنّه صنّف في الحكمة كتبا كثيرة ، توهّم أنّه من الحكماء المبرّزين الذين وصلوا إلى غايات المراتب ونهايات المطالب ، ولم يبلغ مرتبة أقلّهم ، ثمّ يرجع وينصر مذهب أبي الحسن الأشعري الذي لا يعرف أىّ طرفيه أطول (٤)؟ لأنّه
__________________
(١) ومنهم الفخر الرازي.
(٢) وفي نسخة : وطلب رياسة الجهال.
(٣) هو العلامة العارف الشيخ عبد الله بن القاسم الإربلي البغدادي العارف الشهير المتوفى سنة ٥١١ صاحب القصيدة السائرة الدائرة في العرفان مطلعها :
لمعت نارهم وقد عسعس ال |
|
ليل ومل الحادي وحار الدليل |
فتأملتها وفكرى من ال |
|
بين عليل ولحظ عيني كليل |
أو المراد العلامة الشيخ محمّد بن عبد الله بن قاسم القاضي المتوفى سنة ٥٨٦ او غيرهما والشهرزوري نسبة الى شهرزور على وزن عنكبوت كورة قريبة من اربل.
(٤) قال ابن الأعرابي : قولهم أى طرفيه أطول؟ طرفاه : ذكره ولسانه.