قبيحا ، بل مجانا لغير غرض لم يكن تفاوت بين سيّد المرسلين وبين إبليس في الثواب والعقاب ، فانّه لا يثيب المطيع لطاعته ، ولا يعاقب العاصي لعصيانه ، فهذان الوصفان إذا تجرّدا عند الاعتبار في الاثابة والانتقام لم يكن لأحدهما أولوية الثّواب ولا العقاب دون الآخر ، فهل يجوز لعاقل يخاف الله تعالى وعقابه أن يعتقد في الله تعالى مثل هذه العقائد الفاسدة؟ مع أنّ الواحد منّا لو نسب غيره إلى أنّه يسيء إلى من أحسن إليه ويحسن إلى من أساء إليه قابله بالشتم والسّب ، ولم يرض ذلك منه ، فكيف يليق أن ينسب ربّه إلى شيء يكرهه أدون النّاس لنفسه؟!
قال النّاصب خفضه الله
أقول : هذا الوجه بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ، لأنّ أحدا لم يقل بأنّ الفاعل المختار الحكيم لم يلاحظ غايات الأشياء والحكم والمصالح فيها ، فانّهم يقولون في إثبات صفة العلم : إنّ أفعاله متقنة ، وكلّ من كان أفعاله متقنة فلا بدّ أن يلاحظ الغاية والحكمة ، فملاحظة الغاية والحكمة في الأفعال لا بدّ من إثباته بالنسبة إليه تعالى ، وإذا كان كذلك ، كيف يجوز التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي؟ وعندي أنّ الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الامامية لم يحرّروا هذا النزاع ، ولم يبيّنوا محلّه ، فانّ جلّ أدلة المعتزلة دلت على أنّهم فهموا من كلام الأشاعرة نفى الغاية والحكمة والمصلحة ، وأنّهم يقولون : إنّ أفعاله اتّفاقيات كأفعال من لم يلاحظ الغايات ، واعتراضاتهم واردة على هذا ، فنقول : الأفعال الصّادرة من الإنسان مثلا مبدؤها دواعي مختلفة ، ولا بدّ لهذه الدواعي المختلفة من ترجيح بعضها على بعض ، والمرجّح هو الإرادة الحادثة ، فذلك الدّاعي الذي بعده الفاعل على الفعل مقدّم على وجود الفعل ، ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل ذلك الفعل ، فهذا الفاعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الباعث وهو العلّة الغائيّة والغرض ، هذا تعريف الغرض في اصطلاح القوم ، فان عرض