الفاعل غير محسن ولا راحم ولا منعم ، فأنّ معنى الغرض ما يكون باعثا للفاعل على الفعل ، ويمكن صدور الإحسان والرّحم والإنعام من الفاعل من غير باعث له ، بل للافاضة الذاتيّة التي تلزم ذات الفاعل ، نعم لو كان خاليا من المصلحة والغاية ، لكان ذلك الفعل عبثا ، وقد بيّنا أنّ أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والغايات والمصالح ، فلا تكون أفعاله عبثا ، وأما قوله : إنّ التّعطف والشفقة إنّما يثبت مع قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه فإن أراد بالقصد الغرض والعلّة الغائية ممنوع وإن أراد الإختيار وإرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه بالتّعيين ، فذلك في حقّه تعالى ثابت ، وهذا لا يتوقف على وجود الغرض والعلّة الغائية «انتهى».
أقول :
ما ذكره في منع الملازمة منع لمقدّمة أثبتها المصنّف بقوله : فإنّه لو فعله لا كذلك لم يكن محسنا إلخ وقد أشرنا إليه أيضا في دفع ما سبق من جوابه الذي سمّاه تحقيقيا ، وكذا الكلام فيما ذكره في ترديده الآتي من المنع على أنّ ما سلّمه في هذا التّرديد من أن يراد من قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه ، فهو عين القول بالغرض في المعنى لأنّ إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه يستلزم ما ذكرنا من ملاحظة فائدة ذلك الفعل ومدخليّتها فيه ، وهو معنى الغرض والعلّة الغائية كما لا يخفى.
قال المصنّف رفع الله درجته
ومنها أنّه يلزم أن يكون جميع المنافع التي جعلها الله تعالى منوطة بالأشياء غير مقصودة ، ولا مطلوبة لله تعالى ، بل وضعها وخلقها عبثا (١) فلا يكون خلق العين
__________________
(١) إشارة الى قوله تعالى في سورة «المؤمنون» الآية ١١٥.